حقق مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة (11 - 17 أبريل 2013) أهدافه، وتحول إلى ساحة ثقافية تموج بالتظاهرات والنشاطات والفعاليات، والأهم الحوارات بين العرب بعضهم البعض، وبين شباب الخليج و{الآخر}، الذي جاء ليُشارك في المسابقة الدولية القصيرة وبرنامج «تقاطعات»؛ فأصبح طبيعياً أن يتردد اسم المخرج الهولندي روستو بعدما خلب فيلمه {عظام مهجورة} مشاعر الجميع ببراعته وقدرته الفائقة على {التجريب} المبني على الرؤية وليس الإبهار التقني فحسب. ويثير المخرج وكاتب السيناريو الإيطالي أندريا لانيتا جدلاً بفيلمه «الله أكبر»، الذي انحاز إلى الإسلام بأكثر مما فعل مسلمون كُثر، ولم تنس الفرنسية فريدريك دوفو أنها أستاذة في جامعة مرسيليا، واستثمرت دعوتها للمهرجان لتدخل في نقاش جاد مع شباب السينما الخليجية، كذلك ألقت محاضرة، برفقة زوجها المخرج ميشيل، كانت أقرب إلى ورشة عمل حول السينما التجريبية، وفيها كشفت عن اصطلاح {السينما الحروفية}، وقدمت وزوجها تطبيقات عملية عبر نماذج من أفلامهما عن هذه السينما، التي تحتفي بالصورة لكنها ترى أن الصوت يمكن أن يؤدي دوراً كبيراً بعيداً عن كونه ترجمة لما يجري في {الكادر السينمائي}!

Ad

نجح مهرجان الخليج السينمائي في عرض 169 فيلماً تمثل ما يقرب من 43 دولة، من بينها 93 فيلماً خليجياً، وقرابة 78 فيلماً في عرض عالميّ أوّل، و15 في عرض دوليّ أوّل، و42 فيلماً تُعرض للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، لكن نجاحه الحقيقي تمثل في الندوات التي جمعت المخرجين والنقاد والصحافيين والإعلاميين، من جميع أنحاء العالم، على {قلب رجل واحد}، كذلك نجح عندما استغنى عن {عروض منتصف الليل}، التي يتباهى بعض المهرجانات بأنه يحقق أعلى الإيرادات، واختار التوقيت نفسه لتنظيم {بؤرة}، بالمعنى الإيجابي للكلمة، للنقاش والثقافة والمعرفة، بعنوان {منتدى ليالي الخليج}، الذي يبدأ عند منتصف الليل وينتهي في الثانية من صباح اليوم التالي، وشهد هذا العام حوارات متبادلة عظيمة الفائدة حول {منصات تمويل التجارب الشابة}، {السينما السعودية}، {السينما المختلفة} و{ورش المهرجان}، التي استثمرت وجود السيناريست الإماراتي محمد حسن أحمد والمخرج والسيناريست المصري يسري نصر الله وجعلت منها {ورشة} توضح أهمية السيناريو ودوره، والمحاذير التي ينبغي أن يبتعد عنها كاتب السيناريو.

في الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي شاهدت، لأول مرة، عبر تظاهرة {صُنع في قطر}، خمس تجارب قادتني إلى يقين جازم بأن ثمة {سينما تتشكل} هناك، وشجعتني تجربة المخرج الكويتي الشاب مشعل الحليل في فيلمه الجميل {صالون رجال} على التعرف إلى السينما الكويتية الشابة فأحسست بعد مشاهدة تجربة جاسم النوفلي في فيلمه القصير {فراغ} بأنني أمام فنان تشكيلي استبدل الفرشاة بالكاميرا، وتعاطفت مع مأساة البطل الذي قتله {الروتين الحكومي} في فيلم {الديناصور} للمخرج والممثل مقداد الكوت، ولم ترق لي كثيراً تجربة داوود شعيل في {ضابط مباحث}، لكن الثقة عادت عقب مشاهدة الفيلم الروائي الطويل {سيناريو} تصوير وإنتاج ومونتاج وسيناريو وإخراج طارق الزامل، الذي يمثل قفزة هائلة في عالم السينما العربية، وانقلاباً جميلاً على القواعد التقليدية التي انتهجها كتابنا ومخرجونا العرب، ووقعوا في قبضتها، وتحولنا نحن الجمهور إلى أسرى لها؛ فالفيلم، الذي كان في حاجة إلى عنوان أكثر جاذبية، يأخذك في رحلة من الغموض والتشويق والإثارة وسحر الصورة، ورصانة الأداء التمثيلي، واختيار زوايا الكاميرا، والقطعات التي تفاجئك لكنها لا تصدمك، واللغة السينمائية التي تستشعر تأثرها بسينما الحركة الأميركية. لكن المخرج طارق الزامل، الذي درس في الجامعة الأميركية في الكويت،لا ينجرف وراء {التقليد الأعمى}، ولا يُحاكي السينما التجارية الهوليوودية، وإنما يقدم فيلماً كويتي الملامح، في قضيته وشخصياته والأرضية التي انطلق منها؛ حيث المخرج المهووس بصنع الأفلام ولكن الظروف تدفعه إلى الاكتفاء بالأفلام قليلة الكلفة ومحدودة الموازنة، ويواجه مأزقاً صعباً عندما يسقط {سبوت} الإضاءة على البطلة أثناء التصوير في {فيللا} مهجورة فيقتلها، ويُصبح عليه، وطاقم العمل، أن يتستروا على الجريمة ولكن ثمة عنصراً طارئاً لم يكن في الحسبان!

منذ ظهور {التترات} (العناوين) يصحبك الزامل في رحلة ممتعة، يوهمك فيها بأنك أمام فيلم حقيقي، بتوظيفه لشريط {السيلولويد} القديم الذي يحترق مع نهاية {التترات}، وانتقاده العابر لتصريحات المسؤولين المستهلكة عن الدعم المادي {الوهمي} لجيل الشباب، والسخرية اللاذعة من العنوان الذي اختاره المخرج لشركته الإنتاجية {أكشن فيكشن برودكشن}، و{حرب النجوم}، وتوظيفه الذكي لأشهر {التيمات} الموسيقية لأفلام {الأكشن} العالمية!

سبعة أيام من المتعة والإبحار في عالم السحر والخيال واكتشاف {الآخر}، وأيضاً {الشقيق المجهول}، والتنقيب عن كنوز خليجية كشفت عنها الدورة السادسة لمهرجان الخليج؛ التي أكدت أن مستقبلاً مُبهراً ينتظر السينما الخليجية.