بنات الرياض

نشر في 21-02-2013
آخر تحديث 21-02-2013 | 00:01
 مسفر الدوسري بنات الرياض مخنوقات من ضفائرهن.

تسقط رموش عيونهن مع الكحل الذي يسيح تحت الظلام.

يلتهمن الرمال الناشفة... بينما تلتهمهم الرمال المتحركة.

ينفقن كالحيوانات النادرة.

أحلامهن مائدة السراب الشهيّة.

وسائدهن ملأى بريش لا يقوى على حمل أجنحة الأماني.

أيامهن سحائب لا تنجب سوى مطر أسود.

حياة كهذه لا تفضي سوى إلى كآبة حادة تؤدي إلى الانتحار.

وهذا ما يحدث فعلاً.

فقد ذكرت إحصائية رسمية نشرتها صحف سعودية مؤخراً أن حالات الانتحار بين النساء في الرياض هي الأعلى بين كافة مدن المملكة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة  الهجرية الحالية.

الخبر الذي نشر لم يتعرض للأسباب التي جعلت بنات الرياض يتصدرن قائمة الانتحار في المملكة، ولا الظروف الحياتية والمعيشية لأولئك المنتحرات، ولكن قطعاً لم يكن السبب الذي دفعهن للانتحار هو فرط الحياة، فهذا سبب مستبعد تماماً على ما أعتقد، بل الأقرب هو العكس تماما.

بنات الرياض هن الأكثر يأسا من الحياة!

الرياض مدينة حادة كسكين، قادرة على أن تشطرك إلى نصفين بلا تردد،

قاسية القلب إذا ما أرادت.

صعبة الاسترضاء.

صحيح أنها مطواعة ورضية لمن يملكون مفاتيحها، إلا أنها شديدة البأس على من لا يعرف شفرتها السريّة.

مدينة مخاتلة، وكثيرا ما تظهر خلاف ما تبطن.

يسكنها الشيء ونقيضه في آن، وكذلك الناس فيها.

إلا أن هذا الوضع يصبح أكثر قسوة على المرأة.

قد لا يكون الوضع مثاليا على الرجل، إلا أنه بالتأكيد أكثر صعوبة على المرأة.

المرأة في الرياض تعاني ضغوطا نفسية حادة وحياة قاسية تلفها تحت عباءتها السوداء.

المرأة في الرياض على اطلاع بالحياة المعاصرة ومجرياتها، تسافر، تشاهد القنوات التلفزيونية على كثرتها، تتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة وتقنية التواصل المعاصرة، وهذا ما يجعلها تقارن بين واقعها وبين ما تعرفه فتجد الفرق شاسعا بين الاثنين، كما أنها لا ترى نورا في آخر نفقها المظلم الذي تسير به، مما يصيبها بالاحباط والكآبة، وربما أودى بها ذلك إلى اليأس من الحياة وبالتالي الانتحار.

أعرف أن هناك من سيصور حياة ناصعة البياض لوضع المرأة في الرياض وفي أنحاء المملكة على العموم، وربما استشهد بوصولها أخيرا إلى مجلس الشورى، وسيسطر المعلقات في مديح هذه الصورة، إلا أن الحقيقة لا تخفى على كل عاقل، والإحصاءات لا تكذب.

المرأة في الرياض تسلب حياتها رغماً عنها، في البيت، وفي الشارع، وفي أي مكان آخر تحت سقف هذه المدينة القاسية الجافة.

أنفاس المرأة في قبضة رجل ما.

صوتها مصادر من قبل رجل ما.

خطواتها مقيدة بسلسلة حديدية طرفها الآخر في كف رجل ما.

مصيرها معقود بلسانه وإرادته.

ربما لا يكون هذا الوضع قاصرا على النساء في الرياض، لكن النساء في الرياض هن الأكثر تأزما من ذلك حسب الإحصائية آنفة الذكر.

back to top