دائما نقرأ في أدبيات العلاقات الدولية عن أزمات التخطيط في فترة ما بعد انتهاء حقبة معينة، سواء كانت أزمات سياسية أو طفرات اقتصادية أو متغيرات في السياسة الدولية كانتهاء الحرب الباردة, ونتابع كباحثين بشكل مستمر تجارب الدول عندما تتوقف أمام الاختيار الصعب, إما اللحاق بالركب ودخول عصر التغيير والتأقلم مع العالم وإما العودة إلى النظم الإدارية الجامدة.

Ad

أذكر في فترة التسعينيات كباحثين جدد في قسم السياسة كنا نتابع  تحرر أو بالأحرى تحول دول شرق أوروبا من القيود الاشتراكية   إلى نظم رأسمالية لا تعرف القيود, حتى بعض دول أميركا الجنوبية اختارت التغيير واللحاق بالركب الجديد لعلها تحصل على أسواق لمنتجاتها وفرص أكبر لنيل المساعدات الخارجية التي تمنح لها.

وكنا نرى العالم العربي أمام فترة حرجة واختيار صعب, فهناك دول الاعتدال والمرونة التي تأخذ ما يناسبها مما يطرح والكويت باعتقادي تصنف ضمنها, وهناك الدول الراديكالية التي تشبثت بها أنظمة عسكرية بالية منذ السبعينيات ولم تترك أي فرصة للتغيير الداخلي كالمجالس المنتخبة وحرية الصحافة، والتأقلم مع العالم الخارجي بمتغيراته كسورية ومصر وتونس وليبيا؛ لذلك تعرضت لموجات من الربيع والانتفاضات هزت كيانها وقذفت بها إلى غير المعلوم.

ومن أكثر الأمور صعوبة اليوم بالنسبة إلى دول الربيع في فترة التغيير إدارة التغيير بشكل عام وإدارة الشأن المحلي قبل الخارجي, وذلك لأن العالم الخارجي لم يعد كما كان في السابق معسكر الشرق ومعسكر الغرب، إنما منافسة نحو الهيمنة والأحلاف الاقتصادية الأخرى سأكتب عنها في مقالات أخرى بإسهاب.

وإدارة الشأن المحلي لا تأتي ضمن اختصاصات جامعة الدول العربية إلا عبر بيانات تطالب بتهدئة الأمور، والأزمة اليوم تتفاقم داخليا في القاهرة، وتأخذ منحى الهواجس الأمنية الداخلية بالغة الخطورة، تاركة المجال للمدنيين بحمل السلاح بهدف الحماية الشخصية وقطاع الطرق بالانتشار في فترة غياب الأمن, فما الحل إذن؟

باعتقادي الحل يأتي عبر استبدال الثوب السياسي بثوب آخر إداري لا يعرف الأحزاب والتكتلات، إنما تصبح الأولوية التنمية والأمن الداخلي, وليس ذلك بصعب التطبيق، فدول آسيا قبل عدة عقود انتفضت إدارياً، وطبقت الإصلاح عبر الصدمة على جميع مؤسساتها، وصنعت نموذجاً إدارياً خاصاً يجمع الإصلاح بالتحديث، وخططت لمجتمعاتها لتصبح منتجة قبل أن تغزوها ثقافة الاستهلاك وليصبح المورد البشري أولوية وذا قيمة عالية، فهل نستقي دروسا من الشرق؟

كلمة أخيرة:

فكرت كثيراً في الانقطاع عن الكتابة في ظل صراع أبي- أطال الله في عمره- مع المرض، ولكني مستمرة معكم بإذن الله أسبوعياً ومستمتعة بمتابعة آرائكم وتعليقاتكم.