هل تتذكرون فضيحة "الكلمات الست عشرة"؟ إن كنتم تتذكرونها، فهذا يعني أنكم تتابعون السياسة الأميركية منذ زمن، أما إن كنتم قد نسيتموها، فإليكم ملخصاً سريعاً عنها: أعلن سفير سابق يُدعى جوزيف ويلسون الرابع عام 2003 أن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ضمّن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه ادعاء (من 16 كلمة) عن العراق أدرك كبار مساعديه أنه كاذب: أن صدام حسين سعى لشراء اليورانيوم من النيجر. ثم أجج ويلسون الاستنكار الحزبي الناجم بادعائه أن البيت الأبيض يتآمر ليعاقبه برفع الغطاء عمداً عن زوجته التي تعمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

Ad

تبين لاحقاً أن معظم ما أعلنه ويلسون مبالغ فيه أو خاطئ، لكن ذلك لم يمنع الديمقراطيين ووسائل الإعلام المتحيزة من تخصيص سنوات للحديث عن حبك المؤامرات ومحاولة تحميل بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، وكارل روف المسؤولية السياسية والجنائية. ذكر ويلسون: "أصبّ كل اهتمامي على معرفة ما إذا كان بإمكاننا إخراج كارل روف من البيت الأبيض وهو مكبّل بالأصفاد".

بعد مرور عقد، نملك الجواب الملائم لجو ويلسون: بنغازي. مرةً أخرى ينصبّ كل الاهتمام على تصريح علني. أدلت بهذا التصريح سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، سوزان رايس، التي ظهرت في برامج إخبارية بعد خمسة أيام من الاعتداء المسلّح على القنصلية الأميركية في ليبيا في 11 سبتمبر الماضي. ذكرت رايس أن هذا الاعتداء نجم عن تظاهرة منددة بفيلم فيديو مسيء للمسلمين. نتيجة لذلك، طُرحت مرة أخرى نظرية أن هذا التأكيد ما هو إلا نتاج تآمر رفيع المستوى لتحريف الحقائق. وقدّم الجمهوريون الأسبوع الماضي شخصيتهم الشبيهة بويلسون: النائب السابق لرئيس البعثة الأميركية إلى طرابلس، غريغوري هيكس، الذي ادّعى أنه عوقب لتشكيكه في كلمات رايس.

لا تقتصر أوجه الشبه على جو التوتر السائد بين الحزبين، الذي يعمد فيه السياسيون ووسائل الإعلام من اليسار برفض ما يصرّ اليمين على أنه فضيحة بمقاييس تاريخية، أو العكس، بل تشمل أيضاً الابتعاد عمّا يجب أن يكون مناقشة جادة بين الحزبين بشأن إخفاقات الحكومة. فقد أخطأت إدارة بوش في النهاية باستخلاصها أن العراق يخبّئ أسلحة كيماوية ويحاول إعادة إحياء برنامجه النووي. أما إدارة أوباما، فلم تؤمّن الحماية الكافية لبعثتها إلى ليبيا. كذلك لم تستعد بشكل ملائم لأي حالة طارئة في شمال إفريقيا عقب الثورة.

لكن إعلان ويلسون لم يثر مناقشة جادة حول أسباب الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة في العراق، بل أشعل جدالاً بشأن تلك الكلمات الست عشرة، بغض النظر عمّا إذا كان ويلسون صادقاً حقاً بقوله إنه كشف زيف هذا التصريح قبل الإدلاء به وعمّا إذا كان هو وزوجته قد تعرضا حقّاً للانتقام (لم يكن ويلسون صادقاً، إلا أن هذه قصة أخرى). أما اليوم، فبدل التحقق من الطريقة التي تعاطت بها إدارة أوباما مع ليبيا بعد الثورة، تدور نقاشاتنا حول ما إذا كانت رايس، وهيلاري كلينتون، والرئيس أوباما تعمدوا الكذب بشأن طبيعة "الاعتداء الإرهابي" في بنغازي.

وهكذا يتبع اليوم عدد ممن نددوا بالهجوم الذي أشعله ويلسون التكتيكات عينها. فركزوا أولاً على رايس، التي كانت المرشحة الأوفر حظاً لتكون وزيرة الخارجية قبل أن ينشر 97 نائباً جمهورياً رسالة تؤكد أنها "تعمدت بعدم كفاءة تضليل الشعب الأميركي". ولكن عندما تبين بوضوح أن رايس أدلت بكل بساطة بتقييم أجمع عليه المجتمع الاستخباراتي، انتقل مروّجو الفضائح إلى انتقاد الطريقة التي يُفترض أن كلينتون وسياسيي البيت الأبيض حوّروا بها "نقاط حديثها".

يدّعي تحقيق أجراه جمهوريو مجلس النواب وتقارير نُشرت في مجلة Weekly Standard وشبكة ABC الإخبارية أن نقاط الحديث حُررت مرات عدة للتخلص من أي إشارة إلى الميليشيا المتطرفة "أنصار الشريعة" والاعتداءات السابقة على بنغازي، لكن هدف هذه العملية لم يكن إخفاء الحقيقة. على العكس، جاءت هذه التغييرات أساساً نتيجة التوتر بين الوكالات: فقد ظنت وزارة الخارجية أن وكالة الاستخبارات المركزية، التي كانت مسؤولة في المقام الأول عن بعثة بنغازي، تحاول استباق تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي والتملص من مسؤولية هذه المعمعة.

تشير تقارير شبكة ABC إلى أن كل النسخ الأولية لتصريح رايس ذكرت أن الاعتداءات "نجمت بشكل عفوي عن التظاهرات التي أحاطت بالسفارة الأميركية في القاهرة وتطورت إلى اعتداء مباشر". هذا ما صرحت به رايس. لربما لم يكن صحيحاً، إلا أنه كان التقييم الاستخباراتي في ذلك الحين، فأين هي الفضيحة إذن؟

الحق يُقال، تناول تحقيق جمهوريي مجلس النواب في قضية بنغازي أيضاً المسائل الأكثر أهمية، مثل إخفاق وزارة الخارجية في تأمين منشآت بنغازي بالشكل الملائم وغياب "وضعية أمنية وطنية عالية المصداقية في المنطقة" يتبعها أوباما. وقد أشار إلى هذه المسائل عينها مجلس مراجعة مستقل تابع لوزارة الخارجية، وأكدها ديمقراطيون كثر. من الضروري خوض مناقشة بناءة، لكننا ننشغل في التقاتل حول الكلمات والمزيد من الأحلام عن إخراج موظفين من البيت الأبيض مكبلين بالأصفاد.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl