نصف قرن من النهضة الثقافية
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
والسؤال الذي يدور في بالي هو: هل هناك مخطط ثقافي جلي واضح ومدروس بعناية لتأسيس ثقافة خليجية عربية تعنى بهذه المنطقة وبتشكيل مستقبلها بشكل واع يقود في نهايته إلى تحقيق مشروع ثقافي ريادي ينهض بمستقبل هذه الأمة بعيدا عن غزو وسيطرة التأثيرات الهاجمة من الخارج أو المتغلغلة من سلطات دينية أو عقائدية وآيدلوجية تتسلل إلى فرض وجودها حين لا تجد ما يسد الطريق عليها؟لا يوجد إلى حد الآن مشروع مخطط واضح، هناك اجتهادات فردية ومؤسساتية لكنها لا تقوم على هدف مشروع ثابت يكون مثل البنية التحتية لبناء وعي أمة ذات ثقافة عميقة قائمة على أسس مدروسة بقيم مغروسة في وعيها ووجدانها، بحيث تشكل أبعادا لمشروعها الثقافي. وإلى حد الآن لا نستطيع تحديد أبعاد المشروع الثقافي لأي دولة من دول الخليج بشكل سافر جلي واضح، هناك قفزات رائعة لكنها لم تعط خريطة للطريق، وأغلب الأسماء التي تسيدت المشهد الثقافي هي نشاطات خلاقة فتحت الطريق لريادة في حقل ثقافي ما، لكنها لم تمثل ترسيخا لها بشكل أساسي ثابت، لأنه لا يوجد لها قوام ومفهوم في وعي الناس مؤسس في بنائهم منذ الأساس الأول الذي كان يجب أن يقوم عليه بناء اللبنة الأولى في النمو المدرسي، فكيف يكون هناك وعي فني أدبي ثقافي ما لم تغرس جذوره منذ بدايات تشكيل الوعي الإنساني بها؟ خاصة أن مادة الموسيقى والرسم والمسرح قد ألغيت من المناهج المدرسية، فكيف سيتشكل الوعي بها واستيعابها وفهمها ما لم تغرس في الوعي المبكر بها؟ولعل البحث الذي قدمه كامل يوسف حسين عن مستقبل الحركة الثقافية الخليجية.. الإمارات نموذجا، والذي قدم فيه تصور عن آليات المشروع الثقافي الشامل في الإمارات وأدواته، كان من البحوث الجادة والجيدة التي تعطي صورة ونموذجا عن الوضع الثقافي الخليجي، والذي صور فيه ملامح المشروع الثقافي الإماراتي الذي سيتم اعتماده في نهاية المطاف، كما أشار الى "أنه يكون إسلامي الروح، عربي القسمات، عصري الأدوات والأساليب، وألا يكون تقليدا لأي نموذج آخر في التنمية الثقافية، وإنما يحلق عاليا ليستقطب الاهتمام، ويدفع الآخرين إلى استلهام مقوماته وعناصره وأفكاره".نتمنى أن يكون مثل هذا المشروع لبنة يتبناها أعضاء مجلس الدول الخليجية أو ما يماثله ويقاربه، بحيث يشكل هوية ثقافية صلبة وأساسية في عالم انعدمت وانهدمت فيه الهويات.شكرا لملتقى مجلة العربي ولكل العاملين فيه على هذا المجهود الكبير في إعداد الندوات التنويرية المفيدة والقيمة التي تقدمها لخدمة الناس والمجتمع والثقافة بشكل عام الذي تمثل فيه دورا رياديا باستمرار.