لغز مصرع فرس النيل في النهر الخالد
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على الرغم من ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
ظهرت فجأة، فهددت عرش كبار الراقصات؟لا أحد يدري من أين أتت ولا كيف؟! السؤال لم يكن يهم الذين انبهروا بها وبفنها... لكن الراقصات اللائي وصلن إلى قمة الشهرة كن يبحثن عن إجابة واضحة وشافية، لعل وعسى يمكن لإحداهن القضاء عليها قبل أن ترفع أعلامها على قمة الرقص الشرقي بما تكسبه يومياً من مئات المعجبين!
الوحيد الذي كان يعرف الإجابة هو الأستاذ رمزي، مدير عام أحد الفنادق الكبرى المطلة على نهر النيل... هو من أعطاها إشارة البدء وقاعدة الانطلاق من الملهى الليلي الملحق بالفندق الشهير، ومن دون أن يمنعها من الرقص في ملهى آخر من الملاهي المعروفة في شارع الهرم... لكنها كانت ممنوعة من التعاقد على العمل في مكان ثالث... إنه الشرط الذي لم تنتبه إليه {لولو} في العقد الذي وقعته مع مدير الفندق الشهير. كانت آنذاك تطير فرحاً بالفرصة الذهبية التي لن تتكرر... أو هكذا أقنعوها. إلا أنها بعد وقت قصير شعرت أن هذا الشرط يقف حجر عثرة أمام الانطلاق إلى القمة والثراء والمجد الذي يلحس عقول الراقصات؟ وبهدوء شديد طالبت {لولو} بإلغاء الشرط وهددت بالاعتزال ما لم تتم الاستجابة لها. ورد مدير عام الفندق بتهديد آخر، وأبلغها أن المحاكم هي التي ستفصل بينها وبينه وحذرها من أن تخسر المعركة ولا تجني غير الندم. وبدأت فعلاً حرب تكسير العظام بين الراقصة والمدير، بينما راقصات الصف الأول يتابعن الأحداث باهتمام غير مسبوق. لم تذهب {لولو} لأداء فقرتها لمدة ثلاثة أيام متتالية، وقدم مدير الفندق راقصة جديدة أشاع أنها ستكون قنبلة الموسم. لكن رواد الملهى بدأت أعدادهم تنخفض بعدما انتقلوا للسهر في شارع الهرم حيث ترقص {لولو}! فجأة، تلقى مدير الفندق مكالمة هاتفية قلبت الموازيين... عقب المكالمة اتصل بالسيدة {عنايات} الشهيرة بـ {لولو}، صالحها ووافق على إلغاء الشرط الذي تسبب في الأزمة، بل عرض عليها أن يكتب محاميها عقداً جديداً بالبنود التي تختارها مع وعد منه بأن يوقع عليه من دون أن يعترض على بند واحد... فعلاً، عادت {لولو} وسط احتفال كان حديث أعضاء الجمعية العمومية لليالي السهر والفرفشة في أندية وملاهي وكباريهات الليل... وخلال أشهر حققت الراقصة الواعدة انتشاراً واسعاً بعدما منحوها لقب {فرس النيل}.الرجل المهمصديق عمر مدير عام الفندق الشهير وأقرب الناس إلى قلبه وكاتم أسراره وجه إليه سؤالاً محدداً:* لماذا رضخت أمام هذه الراقصة وأنت من يحسب لك نجوم مصر ألف حساب؟!** أنت يا صديقي لا تعلم كيف ظهرت هذه الـ {لولو} وكيف تعرفت إليها... طبعاً أنت عارف اللاجئ السياسي الشهير الذي يعيش في مصر واستثمر فيها كل أمواله وثرواته... هو الذي طلبني وأغراني بمنح راقصة جديدة فرصة الانطلاق لأنها قنبلة تتأهب للانفجار! ولم ينه مكالمته حتى حصل على موافقتي مشفوعة بموعد لقائي بالراقصة الجديدة... بصراحة، كنت في غاية الخوف لأن الرجل لا يمكن أن يرفض له أحد أي طلب. ولو لم تكن الراقصة على قدر الموهبة التي حكاها عنها سأكون في حرج شديد. وفعلاً، ملأني الخوف حينما عرفت منها أنها لم تتخرج في أحد معاهد الرقص ولم تتدرب على يد راقص أو راقصة محترفة. لكن لفت انتباهي بشدة أنها امرأة من النوع الصاعق وأن جمالها من النوع الهجومي الذي يفترس العيون. والأغرب أنها حينما رقصت أمام اللجنة التي ترأستها فاجأتنا جميعاً بأنها موهبة نادرة لا تحتاج إلى تدريب أو خبرة، فهي مدرسة مستقلة تقدم أرقى المناهج في فن الرقص. كانت هدية من الرجل المهم... لكن سرعان ما تمردت وطالبت بإلغاء الشرط إياه. وعلى رغم إصراري على هدمها كما بنيتها فوجئت بمكالمة أخرى من اللاجئ السياسي أمرني فيها بأن أحل مشكلة {لولو} فوراً...قاطعه صديق عمره بسؤال غلبت عليه الدهشة:* لكن هذا اللاجئ المعروف مستقيم الخلق... لا علاقة له بالفن والفنانين؟! ** المشكلة في ابنه الوحيد. عمره 20 عاماً لكنه مراهق من الدرجة الأولى. والده يأتي له بلبن العصفور إذا طلبه... الولد مدلل ويعشق السهر... وهو من شاهد الراقصة في أحد الأفراح وانبهر بها، وافتعل حواراً معها فطلبت منه أن يساعدها في التوصية عليها لترقص في أحد الفنادق الكبرى..,. ويبدو أن الشاب ضغط على والده ليحدثني!* لكن كيف يترك اللاجئ السياسي وهو ملياردير ابنه الوحيد وسط الأخطار والسهر في أندية الليل؟! ** أبوه خصص له ثلاثة من أبطال المصارعة وكمال الأجسام والكاراتيه ليكونوا حراساً له... بالإضافة إلى حارس خاص يحمل الجنسية الأميركية. تصورَّ... لقد منح أحد حراسه ليكون حارساً للراقصة المحظوظة! هجوم تتاريابتسمت لها الدنيا... انتقلت من الإقامة في الفنادق إلى شقة تمليك رائعة. الأثاث مستورد من إيطاليا... والتحف من عواصم متعددة والديكورات أشرف عليها مهندس فرنسي!... ركبت سيارة لا يوجد منها في مصر سوى عدد قليل. اختارت مديرة لأعمالها تحمل مؤهل الماجستير على رغم أنها لم تكمل تعليمها الثانوي... حرصت على أن يكون لها مدربون لتتعلم البروتوكول والإنكليزية... وحرصت أكثر على ألا يكون لها أصدقاء أو صديقات. تؤدي فقرتها في الملاهي والفنادق أربعة أيام في الأسبوع، وثلاثة أيام تختفي فيها تماماً وتغلق هاتفها... قالوا إنها تتفرغ لنجل اللاجئ السياسي لترقص له منفرداً. وقالوا إنها تزوجته!! وأشاع كثيرون أنها جعلته خاتماً في إصبعها بالأعمال السفلية!حاول الصحافيون إجراء حوارات معها وكانت ترفض بإصرار وتؤكد أنها لا تحتاج إلى دعاية. قالوا إن نجل اللاجئ السياسي وراء منع ظهورها في الإعلام لغيرته الشديدة عليها... وقال آخرون إنها تريد أن تقتصر شهرتها على أثرياء الليل والذين يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع. بعض الفنانات اللاتي أصابتهن غيرة حمقاء منها أطلقن عليها مباحث الآداب، لكن الضباط لم يجدوا مخالفة واحدة، فلم تكن {لولو} تعتمد على بدل الرقص العارية أو إثارة الغرائز أو الغناء الهابط... كان سحر جسدها هو الوحيد المخالف للقانون... لكن لم تكن في القانون مادة تعاقب على سحر الجسد وفتنته ما دام أنه مغطى بالترتر!السيدة الجبارة مثلما ابتسمت لها الدنيا ذات يوم، كشرت لها عن أنيابها في يوم آخر لم تشرق له شمس! فوجئت {فرس النيل} الشقراء بهجوم تتاري يقتحم شقتها بزعامة زوجة اللاجئ السياسي الكبير. حذرتها من استمرار علاقتها بابنها الذي لم ينجح في الجامعة منذ تعرف إليها. ارتعدت {لولو} من مشهد الهجوم وقوة شخصية السيدة الجبارة أم الشاب الذي كان ولي نعمتها. وقفت صامتة بينما استطردت زوجة اللاجئ السياسي في تهديدها الذي اختلط فيه الوعيد بالوعد. قالت لها بوضوح إنها لن تسترد منها ما حصلت عليه من ثروة أهداها لها ابنها، إذا ابتعدت عنه نهائياً. ولكن سيكون ذنبها على جنبها إذا استمرت هذه العلاقة.لم تنتظر السيدة الجبارة رداً من الراقصة.. انصرفت في كبرياء تتبعها حاشيتها.. وخشيت الراقصة من إبلاغ الشرطة حتى لا تتفاقهم الأزمة. فكرت بعمق في مستقبل علاقتها بنجل السياسي اللاجئ لمصر. حسبت ثروتها في هذا الوقت فاكتشفت أنها تكفيها لتعيش ملكة غير متوجه مائة عام مقبلة، حتى لو لم تستثمرها! قررت اعتزال الرقص والاختفاء عن العيون والاستمتاع بحياتها، لكن حدث ما لم تتوقعه... تقول مديرة أعمالها:* كانت تعيش أسود أيام عمرها... تخشى من الخروج... وتخشى من البقاء في المنزل. كانت تتوقع أن الانتقام الحقيقي قادم لا محالة. لكن نجل اللاجئ السياسي أنقذها من هذه الحالة السيئة حينما حدثها هاتفياً وأبلغها أن حبه لها بلا حدود ولا يمكنه الاستغناء عنها أو الحياة من دونها. زف إليها خبراً ساراً. قال لها إنه سيقابلها مرة كل شهر في أحد فنادق لندن حيث سيحجز جناحاً فاخراً يقيمان فيه لمدة ثلاثة أيام... أكد لها أنه أقنع أمه بانتهاء علاقتهما والانتظام في الدراسة. ونصحها بأن يكون سفرها وعودتها سراً. لكن {لولو} صارحتني لأنها لم تكن تخفي عني سراً. عادت إليها سعادتها واستردت عافيتها... وتوالت عليها الهدايا وكان نجل اللاجئ السياسي يرسلها باسمي، بالإضافة إلى الأموال التي كان يودعها البنك باسمي أيضاً ثم أنقلها إلى حساب لولو.الطليق المريضذات يوم وقع حادث مؤلم!أبلغ بعض قادة السيارات بأنهم شاهدوا سيارة شيروكي تقوم بالتضييق على سيارة تقودها سيدة حتى اصطدمت سيارة السيدة بسور كوبري بنها وسقطت في النيل. سارع رجال الإنقاذ النهري إلى مكان الحادث، وبعد ساعات انتشلوا السيارة وفي داخلها السيدة التي كانت تقودها جثة هامدة. وتبين من الفحص والمعاينة أن الجثة للسيدة عنايات الراقصة التي اشتهرت بلقب {فرس النيل} الشقراء وباسم {لولو}! فتحت الشرطة تحقيقاً موسعاً... سألت شهود الحادث فأجمعوا على أن السيارة الشيروكي كانت بلا لوحات معدنية في داخلها رجلان يقود أحدهما السيارة، ويحمل الآخر سلاحاً آلياً يرهب به باقي السيارات لتبتعد عن المطاردة، وسألت النيابة مديرة أعمالها: * أين كانت تتجه المجني عليها بسيارتها؟!** كانت متجهة إلى بلدتها في محافظة القليوبية بعدما علمت بخبر مرض طليقها وأن شبح الموت يهدده. قالت لي إنها ظلمت هذا الرجل يوم تمردت عليه وأجبرته على أن يطلقها لتعيش في القاهرة مع إحدى قريباتها المتحررة والتي كانت مطلقة هي الأخرى... وقالت لي {لولو} إنها ستنقل طليقها للعلاج في أكبر المستشفيات الاستثمارية، حتى لو أدى الأمر إلى علاجه خارج مصر على نفقتها الخاصة. كانت تقول لي إنها تريد أن تكفر عن خطاياها مع هذا الرجل الذي عاش أعزباً بعدما طلقها... وآخر ما همست لي به وهي تغادر البيت أخبرتني فيه أنني سأرى الرجل الوحيد الذي أحبها بصدق. ولم تشعر هي بحبه إلا حينما لم تعد بحاجة إلى المال، وأحست أن الموت سيختطفه منها! لكن لا هي وصلت إليه ولا هو عاد معها! * وهل علمت زوجة اللاجئ السياسي بأن الراقصة تقابل ابنها في لندن؟ ** كانت تشك في أن لقاءات لندن بدأت تتسرب إلى أم هذا الشاب.* متى سافرت إلى لندن آخر مرة؟** الأسبوع الماضي. بلا اتهاموفي سرية تامة استدعت النيابة اللاجئ السياسي وزوجته وابنه وتم سؤالهم جميعاً... لكن السيدة الجبارة نفت أي علاقة لها بالحادث أو حتى علمها بأن علاقة نجلها بالراقصة لم تنقطع، وأن أسطول السيارات الذي تمتلكه الأسرة لا يتضمن سيارة شيروكي واحدة.اعترف الأب أنه توسط للراقصة لتعمل في أكبر فنادق مصر من دون أن يظن أن لابنه علاقة بها، وأن زوجته هي التي توصلت إلى هذه المعلومة وأخبرته أنها حصلت على وعد من الراقصة بأن تقطع علاقتها بابنها وانتهى الأمر عند هذا الحد!لم يستطع الابن إخفاء دموعه أثناء التحقيقات... لكن لم يتهم أمه بتدبير الحادث من قريب أو بعيد، بل أضاف أن الراقصة كانت تصارحه كثيراً بخوفها من أن تموت قتيلة بسبب كثرة أعدائها في الوسط... أخيراً، صرحت النيابة بدفن جثة الراقصة من دون اتهام أحد! وعلى رغم أمر النيابة للمباحث بتكثيف تحرياتها وسرعة ضبط الجناة فإن السنوات مرت والتحقيق حفظ... وسر الحفظ لا يعلمه إلا الله!