كان رئيس مجلس الشورى المصري الدكتور أحمد فهمي عائداً من رحلة عمل في السودان، على طائرة تابعة لشركة "مصر للطيران"، حين لاحظ أن فيلماً من بطولة الفنانة نيللي يُعرض على الشاشة المخصصة له في مقعده بالدرجة الأولى، وفق ما

Ad

 قالت وسائل الإعلام المحلية.

يبدو أن الدكتور فهمي، وهو صهر الرئيس مرسي بالمناسبة، لم يعجبه الفيلم، ربما بسبب ما هو معروف عن "انطلاق الفنانة نيللي ودلالها"؛ ولذلك فقد طلب من قائد الطائرة وقف عرضه فوراً، وقد استجاب له هذا الأخير، بل إن الشركة أيضاً أعلنت مراجعة الأفلام التي تعرضها على رحلاتها، تجاوباً مع رغبة هذا القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين"، والذي صار رئيساً للسلطة التشريعية في البلاد.

ثمة إشكالات عديدة في هذا الذي جرى.

أولاً: كان من الممكن للدكتور فهمي أن يغلق شاشته فوراً، ويمتنع عن مشاهدة الفيلم الذي "سبب له الإزعاج"، وكان من الممكن أيضاً أن يغير القناة ليستمع إلى عزف موسيقي، أو مشاهدة "الكارتون"، أو حتى سماع القرآن الكريم، دون أن يكون مضطراً لإثارة هذه القضية.

ثانياً: كان من واجب قائد الطائرة أن يبلغ الدكتور فهمي بإمكانية أن يغير القناة، أو يغلق الشاشة، لـ"يعصم" نفسه من "فتنة" مشاهدة نيللي، ولم يكن ينبغي أبداً أن ينزل على رغبة راكب واحد، ليست لديه صلاحيات للتدخل في سياسات الشركة بشكل مباشر، ويوقف عرض الفيلم، الذي كان يشاهده على الأرجح ركاب آخرون، وربما كانوا مستمتعين بمتابعته.

ثالثاً: ما كان ينبغي للشركة أن تعلن عزمها مراجعة الأفلام التي تعرضها لمجرد أن أحد الركاب اشتكى من فيلم ما تتم إذاعته بانتظام على التلفزة الوطنية العامة، بعدما اجتاز كل إجراءات الفحص والرقابة المرعية.

رابعاً: وهذا هو الأهم؛ إذ يبدو أن الإسلاميين الذين باتوا في سدة الحكم في مصر الآن ليس لديهم مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وأن كل ما يشغلهم ويقدرون عليه ليس سوى ممارسة الشعائر الدينية علناً، واستهداف المرأة والتضييق عليها، أو محاولة التنطع على المجتمع المصري بسبب ما يرون أنه "انفلات ديني وأخلاقي".

عاد فهمي إلى بلاده عشية تظاهرات الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة يناير، وهي التظاهرات التي اتخذت مساراً حاداً ومؤثراً، وزعزعت النظام بشكل واضح، لكنه مع ذلك كان قادراً على مشاهدة الفيلم، والانزعاج منه، والانشغال بطلب وقف عرضه.

الشيء نفسه يحدث على المستوى العام بوضوح، فرغم أن مصر تتعرض لأزمة اقتصادية حادة وطاحنة، فقدت خلالها العملة الوطنية أكثر من 20% من قيمتها في أسابيع محدودة، وتراجع الاحتياطي النقدي إلى مستويات حرجة، وسجلت البورصة خسائر قياسية، فإن الإسلاميين في البرلمان لم يجدوا شيئاً ليفعلوه سوى المطالبة بسن قانون يتيح تزويج القاصرات المصريات.

إنه أمر يدعو إلى الذهول؛ لماذا يطالب حزب "النور" السلفي، المتحالف مع "الإخوان"، في هذا التوقيت بالذات بتزويج القاصرات دون انتظار بلوغهن سن الثامنة عشرة كما تنص القوانين السارية؟

تمر البلاد بأوقات عصيبة جداً، ويطالب المتظاهرون في الشوارع بسرعة سن قوانين تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، التي كانت مطلباً رئيساً لثورة يناير، وأحد شعاراتها الأساسية، ويطالب كثيرون بسن قوانين تعمق الحريات، وتزيل النصوص المشوهة التي كانت تسوغ للسلطة قمع المعارضين وتكميم حرية الإعلام، لكن الإسلاميين في البرلمان يحددون أولوياتهم بشكل مختلف، ويرون ضرورة أن تتسق تلك الأولويات مع فهمهم للشريعة، ولدور المرأة وطبيعة وجودها في المجتمع ومشاركتها في الحياة العامة.

وقف الشيخ محمد حسين يعقوب، وهو أحد الدعاة السلفيين المشهورين، خطيباً بين أتباعه؛ فقال بزهو وانتشاء: "لديكم رئيس ملتح، يحج ويعتمر، ويصلي الفجر في المسجد كل يوم... أفلا تكبرون؟".

يعتقد معظم الإسلاميين أن كل مشاكل مصر يمكن أن تحل لأن رئيسها "ملتح"، و"يصلي في المساجد"، ويرى بعضهم أن تلك المشاكل لن تحل إلا بالتضييق على المرأة، وإعادتها إلى أوضاع ما قبل الثورة الصناعية.

لذلك، فقد كانت أولى المعارك التي خاضتها نساء "الإخوان" في مجلس الشعب المنحل معركة من أجل إزالة القانون الذي يمنع ختان الفتيات، اتساقاً مع رؤيتهن لضرورة "ختان البنت حرصاً على الفضيلة".

تتضح النظرة الدونية للمرأة لدى معظم منظري الإسلاميين في مصر في كلمة مسجلة بالفيديو بثها الشيخ الدكتور وجدي غنيم، وقد لام فيها، بمرارة شديدة، أحد قيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، لأنه ظهر على التلفزيون مع مذيعة "امرأة"... متسائلاً بغضب: "ولماذا لا تطلب مذيعاً رجلاً؟".

ليس هذا فقط، لكن بعض الدعاة الذين انتعشوا في أعقاب وصول "الإخوان" إلى الحكم، وراحوا يطرحون فكرة إنشاء "هيئة الأمر بالمعروف" في مصر، صرح علانية بضرورة العمل على "إلزام المسيحيات بارتداء الحجاب".

ليس هذا كل ما يمكن قوله في شأن علاقة الإسلاميين بالمرأة وأوضاعها في مصر بعد وصولهم إلى الحكم، فثمة جانب آخر يستحق أن يروى في هذا الصدد.

فقد تفجرت أزمة كبيرة للتيار السلفي وحلفائه من "الإخوان"، في العام الماضي، حينما تم ضبط الداعية السلفي الشهير، وعضو مجلس الشعب، والقيادي في أحد الأحزاب السلفية الكبرى، "الشيخ" علي ونيس، في وضع مخل مع طالبة جامعية في سن بناته، في سيارته بطريق مصر الإسكندرية الزراعي، وقد عرفنا لاحقاً أن الرجل متزوج من أربع سيدات، لكنه أنكر هذا الأمر مؤكداً أنه متزوج من سيدتين فقط (...).

وتفجرت أزمة أيضاً، حينما أعلنت إحدى الصحافيات، اللاتي يغطين أخبار رئاسة الجمهورية، أنها تزوجت من عضو جماعة "الإخوان المسلمين" والناطق الرسمي باسم الرئاسة الدكتور ياسر علي، بعدما تعرفت إليه بأسابيع قليلة، وقد نفى الأخير هذا الزواج، بينما قدمت الصحافية ما قالت إنه "أدلة موثقة تؤكد علاقتها به"، وبات الأمر منظوراً أمام القضاء.

يظهر الإسلاميون، الذين باتوا يحكمون مصر اليوم، شغفاً كبيراً واهتماماً بالغاً بالمرأة وقضاياها، سواء كان ذلك عن طريق التقييد والتضييق والحجب والمنع، أو من خلال الأخبار التي تتوالى عن بعض الفضائح والزلات في هذا الصدد. وفي كل الأحوال، فإنه يبدو أن حكام مصر الجدد يعتقدون أن مراقبة المرأة وضبط مشاركتها في المجال العام أهم كثيراً من محاولة إيجاد حل لدولة كبيرة وعريقة تأخذ طريقها سريعاً إلى الغرق.

* كاتب مصري