ليس مستغرباً ولا غير متوقع أن يستبق الإخوان المسلمون (إخوان الأردن) انتهاء فرز صناديق انتخابات البرلمان الأردني، التي جرت أمس الأول، بإصدار بيانات وتصريحات التشكيك، والقول إن هذه الانتخابات قد جرى تزويرها، وإنَّ نسبة المقترعين قد جرى تضخيمها، فهذه حجة المفلسين، وهؤلاء حوَّلوا أنفسهم إلى مجموعة للندب والنواح لاستجداء عواطف شعب قد تجاوزهم ولم يعد يكترث بألاعيبهم ولا بما يقولونه.

Ad

هناك مثل عربي يقول: "في الصيف ضيعت اللبن"، وحقيقة، فإن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بقولها، في تصريحات لها قبل أيام: "إن الربيع العربي جاء بقادة بدون خبرة" قد شخَّصت حالة الإخوان المسلمين تشخيصاً دقيقاً، فهؤلاء يعيشون الآن حالة ارتباك غير مسبوقة، وهؤلاء لأنهم تنظيم شمولي وصاحب أسرار خفية، إن على صعيد التنظيم، وإن على صعيد المواقف السياسية، ولأن كل تجربتهم قد قامت على مداميك الهدم ولم تعرف البناء إطلاقاً فإنهم وجدوا أنفسهم تجاه الاستحقاق الديمقراطي المستجد كَمَنْ أُلقي في بحرٍ متلاطم الأمواج وهو لا يتقن السباحة.

كان الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، كثير الاستشهاد بمَثل لا يعرفه إلا الأشقاء المصريون يقول: "ما لَقوش في الورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين"، وهذا هو ما فعله شيوخ "إخوان" الأردن وشيوخ وجه عملتهم السياسية الآخر "حزب جبهة العمل الإسلامي" الذين خيّبت الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة ظنهم، وكذَّبت كل مراهناتهم التي ثبت أنهم كانوا قد بنوها على أماني وتصورات لا صحة لها على أرض الواقع.

وهكذا فلو كان لدى هؤلاء شجاعة وجرأة الاعتراف بالخطأ لبادروا، بعدما وضع الشعب الأردني أصابعه في عيونهم وأنجح هذه الانتخابات تسجيلاً ونزاهة ونسبة اقتراع تعتبر مرتفعة بكل مقاييس الديمقراطيات العريقة، إلى انتقاد أنفسهم انتقاداً عنيفاً، ولقلبوا صفحة بائسة أوصلتهم إلى هذه الحالة المتردية التي وصلوا إليها، وفتحوا صفحة جديدة بعيدة عن المزايدات الفارغة، وعن مرض تورم الاعتداد بالنفس بدون أيِّ أساس حقيقي، ولسارعوا إلى تبني التوجهات العقلانية التي أعلنها إخوانهم في مجموعة "زمزم" التي أثبتت قدرتها على التقاط اللحظة الزمنية في الوقت المناسب.

إنَّه لا يجوز الاستمرار في "العنفصات" والمكابرات والتمسك بحبال الهواء، بينما غيّرت مستجدات "الربيع العربي" ليس فقط الأنظمة المهترئة، التي غيرتها، بل أيضاً القوى والأحزاب والحركات، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمين"، التي سارعت لسرقة إنجازات ليست لها، والتي ركبت أمواج هذا الربيع، واعتلت مواقع الحكم والسلطة بسبب اختلال الموازين والمعادلات، والتي ثبت، منذ اللحظات الأولى، أنها بدون خبرة، وأنها ليست مؤهلة لاحتلال هذه المواقع، وثبت أنه ليس بالضرورة أن من يتقن دغدغة عواطف الجماهير أن يكون لديه القدرة على الاستجابة لمتطلبات هذه الجماهير.