من يزرع بصلاً لا يحصد الفراولة مهما بذل من جهد، ونوّع من طرق الزراعة ومواقع زراعتها، وكذلك في السياسة والاقتصاد لا تستطيع الوصول إلى نتائج معينة دون أن تكون عندك مقومات تحقيق تلك النتائج.
ومن أبرز التجارب الفاشلة لدينا هنا في الكويت هي محاولة تغيير المجتمع إلى مجتمع أفضل يؤمن بالديمقراطية والحرية الكاملة وتسود فيه لغة القانون ويقل فيه الفساد، ومحاولة تحقيق كل ذلك عن طريق ما يسمى بالحراك الشبابي الذي اتضح للكثيرين بأنه كـ"سراب يحسبه الظمآن ماء"، ولعل هذا ما توصل إليه الرمز د. أحمد الخطيب أخيراً عندما قال للشباب: "فشلتونا... هذا لعب يهال".لكني أستغرب كيف كان العم د. الخطيب يعول أساساً على مثل هذا الحراك حتى يصاب بعدها بخيبة الأمل، وكيف فاته وفات الكثير من المخضرمين وأهل الخبرة النتائج التي نراها اليوم من تسابق على الظهور وتفريخ مستمر لمجموعات شبابية وهمية لا ثقل لها على أرض الواقع.قلناها مراراً ونعيد التكرار بأنه من الصعب جداً أن يقود أي حراك شبابي حركة إصلاحية حقيقية في ظل المعادلة الاقتصادية الحالية للبلد والتي تقوم على سياسة إغداق العطايا وحياة الترف التي أفسدت المجتمع وقتلت روح المبادرة والابتكار فيه، إلا ما رحم ربي.فالمترفون الذين أبطرتهم النعمة وأطغتهم سعة العيش ليسوا مؤهلين أساساً للقيام بأي حركة إصلاحية، بل نجدهم على النقيض تماماً يكرسون الواقع الفاسد... لهذا دائماً ما يقترن المترفون بالفساد في القرآن الكريم، ومثال على ذلك الآية الكريمة: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا"، فإذا كان هذا حال مجتمع فقط فئة منه مترفة، فما بالنا بمجتمع غالبية فئاته مترفة، وإن كان هناك تفاوت في درجات الترف؟! لهذا نجد المجاميع الشبابية تردد شعارات فارغة مثل "محاربة الفساد" دون وضع حلول عملية لتحقيق ذلك، فهم يريدون محاربة الفساد في ظل حكومة متضخمة تعاني تكدس الموظفين والبطالة المقنعة والبيروقراطية وتشابك المصالح، وهذه المواصفات هي البيئة الحاضنة للفساد.وهم يريدون القضاء على البطالة، وفي نفس الوقت يطالبون بمزيد من الزيادات والكوادر على وظائف غير منتجة في قطاع حكومي يعاني أصلاً التخمة في عدد الموظفين. وهم يريدون دولة عصرية تقضي على الطائفية والفئوية في ظل بقاء النظام الاقتصادي الحالي القائم على نموذج "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، وهو ما يعني تصفية بطيئة للدولة لأن غالبية واردات النفط يتم صرفها بدلاً من استثمارها، وهذا النموذج هو الذي يشجع على الصراع الفئوي الطائفي للتسابق على استنزاف خيرات الدولة التي يتم التعامل معها على أنها دولة مؤقتة.ترى كم من شباب الحراك الذين يتظاهرون في الشوارع يحمل شهادة مضروبة؟ وكم منهم يضع الولاء للقبيلة قبل الدولة؟ وكم منهم غارق في اللغة التكفيرية التي تمزق المجتمع؟ وكم منهم يقضي ليله في المسيرات ويقضي نهاره في النوم ويتلقى راتباً لقاء التغيب عن عمله؟ وكم منهم يريد حرية الرأي بينما يحمل في ذهنه ثقافة الاقتحام وتكميم أفواه من يختلف معه؟ وكم منهم حصل على ترقية أو وظيفة بواسطة، متجاوزاً حقوق الآخرين؟ إن هذه النماذج هي نتاج ثقافة الترف والدولة الريعية التي أفسدت المجتمع، ولن يصلح الحال إلا بتغيير هذا النموذج بخفض حاد في حجم الحكومة وتوجيه المواطنين للعمل في القطاع الخاص والحر، وخصخصة الخدمات ورفع الدعم عنها تدريجياً حتى ينشغل الناس بتدبير قوت يومهم بدلاً من الدخول في الجدل العقيم الفارغ كما هو حاصل الآن. لكن هل سيتقبل ما يسمى بالحراك الشبابي هذا الإصلاح؟! لا أعتقد ذلك.لا ننكر أن هناك قلة قليلة تنشد الإصلاح الحقيقي وغير متأثرة بالاستقطابات الفئوية والطائفية لكنهم يظلون قلة، لأن البيئة الريعية كما أسلفنا لن تنتج في الغالب إلا نماذج مريضة هي نتاج حياة الترف والبطر. ولذلك، لن يصلح حالنا حكومة منتخبة ونظام برلماني كامل في وقتنا الحاضر، فنحن على بعد عشر سنوات على الأقل من نموذج كهذا، وبالتأكيد لن يصلح حالنا حراك شبابي غير مستعد لتحمل مسؤولية حقيقية، وأثبتت الأيام أنه "وقود لا يقود"، كما يقول المغرد د. محسن الهاشمي.
مقالات
«فشلتونا... هذا لعب يهال»
28-02-2013