«حرير وحديد» لفواز طرابلسي...

نشر في 24-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 24-03-2013 | 00:01
No Image Caption
تاريخ الجماعة في تاريخ الفرد

يكتب الباحث اللبناني فواز طرابلسي في عمله الجديد «حرير وحديد... من جبل لبنان إلى قناة السويس» (دار رياض الريس) مزيجاً من التاريخي والقصصي والمدونات والحوليات، والكتاب في شكل من الأشكال جزء من فيض من الشغل في كتاب «تاريخ لبنان الحديث» الذي أصدره المؤلف قبل سنوات.
يفتتح فواز طرابلسي كتابه «حرير وحديد... من جبل لبنان إلى قناة السويس» بفقرة تفيد بأن «جميع شخصيات الكتاب حقيقية ومثلها الأحداث والمواقع والتطورات... لعب التخيل دوره في ثلاثة تأليفات فقط هي حلم الصبياني المعدني ورسالة لويز برونيت إلى شقيقها والحوار بين زوجة شعيا علمان وطانيوس شاهين». لا يمكن فصل كتاب طرابلسي الجديد عن كتبه السابقة التي تناولت التاريخ والعنف والفن في لبنان بدءاً بـ{غرنيكا» وحتى «صلات بلا وصل» و{وصورة الفتى بالأحمر» و{إن كان بدك تعشق»... اللافت في الكتاب الجديد أن المؤلف قدمه على شكل حوليات ومدونات تجمع بين السرد التاريخي والرواية والبحث ويكتب تاريخ الأفراد ليظهر تاريخ الجماعات. كان يمكن للكتاب أن يكون رواية لها وقع خاص انطلاقاً من العنوان الذي يجمع بين الحرير وما يمثله من نعومة وبرجزة، وبين الحديد وما يعنيه من قسوة وشدة وحروب وفقر.

يؤرخ طرابلسي في كتابه لأحداث القرن التاسع عشر التي شهدها جبل لبنان وسورية ومصر منذ قيام معامل الحرير وازدهارها حتى بدايات القرن العشرين. ومع نعومة الحرير والرخاء المادي تأتي صلابة الحديد والصراعات بين العمال وأصحاب العمل والفلاحين والإقطاعيين ورجال الدين والمستعمر والمستعمرين.

هكذا يروي الكتاب الأحداث في حوليات مؤرخة عن ارستقراطيين أجانب وعن أصحاب معامل حرير وعاملات وعمال حرير وثوار معامل الحرير، عن سلاطين عثمانيين وحكام لبنانيين وخديويين مصريين وثوار عاميين وشيوخ أزهريين واشتراكيين أوروبيين ومديرين ومقاولين ومغتربين ومشايخ مقاطعجيين، من بين بينهم دروز ومسيحيون وكتاب وأدباء وعلماء وصحافيون. وعن قساوسة ومطارنة ومرسلين إنكليز وأميركيين وأمراء جزائريين وجنرالات ومهندسين ومصرفيين وفاتحين وفلاحين.

مصائر

يقول المؤلف إن شخصيات هذه الحوليات تنتقل عبر البحر المتوسط، شرقه وغربه، خلال القرن التاسع عشر. و{يبدأ التدوين مع إطلالة موسم الحرير في جبل لبنان ويختتم مع افتتاح قناة السويس في مصر، مثل خيوط حرير فوق نول تروح وتجيء أحداث تلك الفترة، فتسلك باللحمة والسدى مصائر أفراد وجماعات وبلدان وأمصار وأقوام وشعوب. تتداخل ألوان وأصباغ وتفترق ألوان وأصبغ. وتتصالب خيوط وترتخي خيوط. وتنقطع خيوط لتنوصل خيوط. تنعقد قطب ظاهرة للعيان لتختفي قطب عن العيان. عملت عليها جميعاً أنامل نساج لا يرحم. يسميه البعض «القدر» والبعض الآخر «الاستعمار» ويكتفي ثالث بأن يقول عنه إنه «التاريخ». ويبدأ التدوين بسنة 1806 لينتهي بسنة 2004».

لم يتدخل طرابلسي في المادة التاريخية بل أوردها كما هي وإن بقدر من الإضاءة والتحليل. بعد الفصل الأول الذي جاء بعنوان «نبوءات»، يبدأ التدوين. ولبعض الأشخاص حصة كبيرة في السرد التاريخي ومن بينهم مثلاً الليدي هستر ستانهوب وموضوعها قصة في حد ذاته، وأحمد فارس الشدياق أحد كبار رجال النهضة العربية الذي عرف باسم أحمد فارس الشدياق، والذي بدا كأنه بطل الكتاب بامتياز، وقد سبق للمؤلف أن أصدر بحثاً عنه مع عزيز العظمة تضمن دراسة مع بعض أعماله المجهولة. وحتى الآن لا تزال قصة الشدياق وشقيقه مدار بحث ودراسات لأنها تعبر عن الواقع في لبنان خلال القرن التاسع عشر، والتحولات الطائفية التي حصلت وبذور العنف الطائفي الذي ما زال حتى اليوم.

ثمة معلومات مكثفة في الكتاب حول كيفية تحول الدودة داخل الشرنقة الى يرقة قبل ان يخرج منها فراش القز. ونقرأ كيف تتم عملية التلاقح او التسافد وكيف يموت الذكر وتعيش الانثى بعده ثلاثة أيام وثلاث ليال تبيض خلالها بين 400 بيضة و800 بيضة.

بعد ذلك انتقل إلى الإنسان تحت عنوان «1831 - باريس الأنثى هي الأصل». وفي هذا المجال حديث عن الدعوة إلى «تحرير المرأة»، ثم يتحدث بعنوان «خريف 1831 - ثورة الحرير» عن مدينة ليون عاصمة الحرير في العالم والتي وصفت بأنها «مدينة رمادية مثل حال عمالها». بعده ينتقل إلى عنوان أخر هو «صيف 1832 - تاجر بريطاني في قنوبين» وهي منطقة في شمال لبنان.

ويتحدث المؤلف في زاوية «1832 - الجزائر: سيدي عبدالقادر» عن الأمير عبد القادر الجزائري. وتحت عنوان «تموز 1833: نفس نارجيلة في بيروت» نقرأ عن اجتماع وفد مع «الكولونيل سي المعروف بسليمان باشا وهو العسكري السابق في جيش نابوليون الذي وضع نفسه في خدمة محمد علي باشا. منحه الخديوي رتبة أميرالاي وكلفه مهمة بناء جيشه الحديث بتجنيد الفلاحين وأرسله للتنقيب عن الفحم في صعيد مصر». وهذه عينة من المرويات التي يقدمها المؤلف، وتظهر لعبة السرد والرواية والتاريخ في نص واحد. في الفصل الأخير بعنوان «خواتم»، يختصر المؤلف «نهاية كل من أبطالها»: متى وكيف وأين.

من الكتاب

من الشرنقة إلى البزرة

داخل الشرنقة تتحول الدودة إلى يرقة عمياء تعيش في حرارة بين 20 و25 درجة. تتحول وتغيّر جلدها. ومنها يولد الفراش. يعيش فَراش القزّ في الشرنقة حوالي عشرين يوماً وعندما يحين وقت خروجه، يفرز مادة لعابية يثقب بها جدار الشرنقة ويخرج منها فَرَاشا من الجنسين، ذكر وأنثى. وفراش القز لا يطير ولا يأكل. إنْ هو إلا أعضاء تناسلية معدة للتلاقح لا غير. والأنثى عادة أكبر حجماً من الذكر وأطول عمراً.

يسافد الفراشُ الذكرُ الواحد عدداً من الإناث يصل إلى ست ولا تستغرق عملية السفاد واللقاح أطول من ربع ساعة، يحرّك خلالها الذكر جناحيه دليل الإثارة الجنسية. واسم الفراش مأخوذ من هذه الحركة. يقال: «فرّش الطائر» على الشيء أي رفرف عليه. ولكن ليس كل أنواع الفراش يرفرف عندما يثار جنسياً. وإعلم أن فراش القزّ يرفرف ولا يطير (وتقول العامة «يفرفر» لأنه أخفّ على النطق). ولعل رفرفته من غير طيران مردّها أن الغلمة قد أثقلته.

بعد أن يرفرف ذكر الفراش على أنثاه ويقضي منها الوَطَر، يخرّ مغشياً عليه ويقضي نحبه. تعيش الأنثى بعده ثلاث أيام وليال تبيض خلالها بين 400 و800 بيضة. والبيوض أشبه بحبّات لؤلؤ صغيرة بيضاء ثم يميل لونها إلى الرمادي إلى أن يصير أقرب إلى السواد. ولا يتعدّى طول البيضة الميلمتر الواحد وتزن الألف منها غراماً واحداً. وبعد خمسة أيام من المبيض، تتوقف حركة البيضة وتدخل في حالة سبات تستمر خلال الصيف والخريف والشتاء لتتفتح في الربيع.

back to top