-1-

Ad

من الجدير بالذكر، أن في العالم العربي جناحين (القديم والجديد) يتصارعان على تقديم أفضل الأفكار لإصلاح التعليم العربي،

فالجناح القديم المحافظ التقليدي، يرى أن الإصلاح يجب أن يتم بالوسائل التالية:

1- أن يكون المدخل الوحيد للإصلاح هو التجديد في المواد والمناهج التي تتعلق بمقرّرات المدارس والجامعات، أو التجديد في مواضيع المعارف ومناهج التربية في التعليم العام، بما يناسب مقتضيات واقعنا وخصوصياتنا الحضارية، وضوابط التجديد ومناهجه وأهل اختصاصه مدوّن ومعلوم في عقول العلماء، أو أهل الاختصاص.

2- ألا يخضع الإصلاح والتجديد للدعوات الخارجية، إلا بالتوافق العرضي غير المقصو، ويجب أن نتعظ بقول الساسة الأميركيين أنفسهم، قبل أكثر من ربع قرن من أن:

"من يتدخل في مناهجنا الدراسية سنعتبره بمنزلة إعلان حرب علينا".

3- من المعلوم أن "الجنوح" قد يطلق عليه وصف "التطرف" وهو وليد الجهل بالتراث، أو عدم تلقيه بوسائطه المعلومة وعبر قنواته الرسمية، وليس العكس. فقد أثبتت الدراسات المقارنة في مصر- مثلاً - أن أعضاء التنظيمات "المتطرفة" في معظمهم الساحق لم يتخرّجوا من الأزهر، ولم يتلقوا تعليماً شرعياً نظامياً، بقدر ما درسوا أو تخرّجوا من المدارس والجامعات العامة، ذات الاختصاصات العلمية. كما أن خريجي الأزهر، كانوا أكثر ميلاً "للاعتدال" والموازنة بين الأمور، وتعقّل الأحداث ومجرياتها. وكذلك شأن طلاب العلوم الدينية.

4- وجوب الاعتناء بالتخصصات التربوية الدقيقة، لأنها ضرورية في حسن الإصلاح، والفصل بين الكتاب المدرسي، والخطة الدراسية، وطرق التدريس، والمواقف التعليمية والتربوية.

-2-

وترى مجموعة من المفكرين المحدثين العرب الجُدد، أن وسائل إصلاح التعليم العربي، تتمثل بالخطوات التالية:

1- هناك ثلاث أفكار أساسية لتحديث التعليم.

الفكرة الأولى، تأصيله في الإطار، والاهتمامات الخاصة بكل بلد، لتجاوز مفهوم الأمة القديم، بالاعتماد حصراً على رابطة المواطنة الضرورية للدولة- الأمة.

والفكرة الثانية، تجاوز تقسيم العالم إلى "دار الإسلام"، و"دار الحرب" الذي يعبر عن ازدراء للآخر.

والفكرة الثالثة، ضرورة إلغاء ما يشيطن الآخر في التعليم مثل ثالوث "الحاكمية، والولاء، والبراء" الذي ما انفك يعيد إنتاج نرجسية جمعية، تضخّم الأنا، وتستصغر الآخر.

2- إحياء القراءة التأويلية، والتاريخية.

فالنص التراثي ليس مجرد إبداع عقلي فقط، بل هو أيضاً فعل امتدادي في التاريخ، يحمل طابع السيطرة المطلقة على الأفكار الأخرى. وهو يحمل رؤية ذات نزعة نهائية للعالم تفسره وتغيره.

فقد أعطى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مثلاً رائعا، للراسخين في العلم بعبدالله بن عباس "حبر الأمة" الذي قال داعياً له:

"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".

وقد وفق ابن عباس مثلاً في تأويل الآية الكريمة:

"وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" (هود: 117)

قائلاً: "إن الله لا يعذب على الشرك، بقدر ما يعذب على الظلم".

وهو تأويل جدير بأن يكتب بماء الذهب على كل كتاب مدرسي، وفي واجهة كل مدرسة، أو جامعة، لأنه قرن ثنائية الكفر والإيمان بثنائية الظلم والعدل، كنقطة ارتكاز للمعايير.  

3- تدريس التاريخ المقارن في التربية، سواء في التعليم العام أو في الثانوي والعالي، لحقن الوعي الغض بديناميك نظرية التطور التاريخي. سواء فيما يتعلق بتناسل التاريخ البشري من بعضه بعضا، والذي يصل أحياناً إلى حد التماثل، كما في حالة تلاقح اليهودية مع الفرعونية والبابلية. حتى إن مؤرخ الحضارات آرنولد توينبي لاحظ كثرة تشابه وتماثل النصوص في الحضارات القديمة. ويجب التقدم خطوة إلى الأمام، بتوعية الوعي العربي المعاصر بواقعة أخرى مهمة، هي أن هذا التلاقح الحضاري، تسارع اليوم إلى درجة أن بعض الاختصاصيين في تاريخ الحضارات يتوقعون أن تولد في المستقبل حضارة تركيبية واحدة، على غرار المحاولة الجريئة والسابقة لأوانها، التي حاولها إمبراطور الهند، المغولي محمد أكبر، في القرن السادس عشر.

بيد أن الحضارة التركيبية هذه المرة ستكون محصلة تلاقح ذاتي عضوي بين الحضارات، تصنعه ثورة الاتصالات والمزج بين ساكني الأرض، سواء بالسياحة أو الهجرة.

-3-

ما يجب علينا ذكره، والإشادة به أخيراً، أن منظمة "الأمم المتحدة" لم تقف مكتوفة الأيدي، أمام انخفاض مستوى التعليم العربي، وهي ترى نتائجه تنتشر دماراً وفوضى، منذ عام 2001، وقبل ذلك وبعده.

فنشأت في عام 1979 منظمة عالمية ترعاها "اليونسكو" هي "منظمة الإسلام والغرب"، ويرأسها اللورد كارادون، وتتكون من خمسة وثلاثين عضواً (عشرة منهم من المسلمين) ، وجاء في دستورها المنشور في 10/ 3/ 1979:

"إن مؤلفي الكتب المدرسية لا ينبغي لهم أن يصدروا أحكاماً على القيم سواء صراحة أو ضمناً"، ولكن "لا حياة لمن تنادي".

* كاتب أردني