يُعتبر قرار الرئيس أوباما سحب 34 ألف جندي إضافيين من أفغانستان خلال السنة المقبلة غير حكيم. فيزيد هذا القرار خطر فشل المهمة الأميركية في هذا الصراع البالغ الأهمية، ما يهدد بخسارة مكاسب حققناها في قلب منطقة "طالبان" في الجنوب وقدرة القوات الأفغانية وقوات الائتلاف على إنهاء القتال ضد "شبكة حقاني" في الشرق. كذلك يفاقم هذا القرار خطر أن يتمكن تنظيم "القاعدة" مع مرور الوقت من إعادة تنظيم صفوفه في معاقل آمنة محدودة في أفغانستان. علاوة على ذلك، يزيد سحب الجنود والحد من القدرات قبل الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقرر إجراؤها في شهر أبريل عام 2014 خطر أن تنهار أفغانستان وتتجدد فيها الحرب الأهلية الإثنية.
لكن الوضع ليس بالسوء الذي نظنه. ومازال أمامنا فرص للفوز في هذا الصراع، مع أنه احتمال بعيد الأمد. فقد استسلم الرئيس، على ما يبدو، للوقائع العسكرية والقوانين العلمية بشأن عدد من النقاط. نُظّم الانسحاب بطريقة تسمح ببقاء عدد كبير من الجنود الأميركيين في أفغانستان خلال موسم القتال المقبل: ستسحب الولايات المتحدة نحو 6 آلاف جندي بين اليوم وفصل الربيع، و8 آلاف آخرين بحلول شهر نوفمبر، وأخيراً 20 ألفا بحلول فبراير عام 2014.أوضح مسؤولون بارزون في الإدارة، رفضوا ذكر أسمائهم، أن المرحلة الأولى من الانسحاب قد بدأت بالفعل وتتركز بشكل كبير على الألوية التي تُعنى بمهام التدريب والنصح، لا القتال. لذلك سيُضطر الجنرال جو دانفورد، القائد الجديد في أفغانستان، إلى سحب 8 آلاف جندي فقط خلال محاربة العدو هذا الصيف. ولا شك في أن هذا تحدٍّ أسهل مما لو كان عليه سحب الثمانية والعشرين ألف جندي كلهم، محاولاً في الوقت عينه تحقيق مهمته الأساسية: مساعدة الأفغانيين في إنزال الهزيمة بعدونا المشترك وترسيخ المكاسب. كذلك ذكر مسؤولو الإدارة أن مجموعة كبيرة من المخططين واللوجيستيين موجودة اليوم في أفغانستان للتخطيط لعملية الانسحاب وتنفيذها. وهذا أمر بالغ الأهمية بما أن وضع هذه الخطة وتطبيقها عمل جبار من الممكن أن يستنفد طاقات الموظفين والقادة الذين يجب أن يركزوا على مواصلة التقدم في حربهم ضد العدو وتدريب قوات الأمن الوطني الأفغانية.علاوة على ذلك، أرجأ الرئيس إعلاناً (حتى اتخاذ القرار، وفق مسؤولي الإدارة) بشأن حجم الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان بعد عام 2014. ولا شك في أن هذه خطوة حكيمة. فالحديث عن مسألة الوجود الطويل الأمد في أفغانستان سابق لأوانه في هذه المرحلة من الحملة. فمن المستحيل توقع الوضع الأمني في عام 2015 قبل بدء موسم القتال عام 2013. وبما أن مسؤولي الإدارة طرحوا فكرة سحب كامل القوات من أفغانستان بعد عام 2014، عندما زار الرئيس حامد كرزاي واشنطن في شهر يناير الماضي، فمن الجيد إرجاء اتخاذ القرار في هذا الشأن.لعل الوجه المشجع حقا في التبدل الذي طرأ على عملية صنع القرارات في البيت الأبيض، وفق مسؤولي الإدارة، اعتبار خطط خفض قوى الأمن الوطني الأفغانية بأكثر من 100 ألف عنصر بدءاً من عام 2015 غير نهائية. فيبدو أن الرئيس يفكر في دعم القوى الحالية المؤلفة من 352 ألف عنصر حتى عام 2017. ولا شك في أن إبقاء قوى الأمن الوطني الأفغانية كبيرة بالغ الأهمية. فلا يمكننا تخيل ما سيكون عليه الوضع الأمني عام 2015 مع صرف أكثر من 100 ألف جندي وشرطي أفغاني مدربين (ما يعني مواجهة البطالة في حالة كثيرين منهم)، فهذا ليس منطقياً. كذلك من المهم أن ننتظر لنرى أداء القوات الأفغانية بعد تبدل المهمات الأميركية والدولية عام 2015 قبل أن نتخذ القرار بشأن حجم هذه القوات المستقبلي وتركيبتها.إذن، مازال باستطاعة قوات الائتلاف والقوات الأفغانية التمسك بالمكاسب التي حُققت، لا بل قد توسعها خلال موسم القتال الحالي. ويبرر هذا الأمل استمرار الدعم لهذه المهمة، فضلا عن مواصلة الضغط على البيت الأبيض للحد من المخاطر الكبيرة التي يواجهها في أفغانستان سعياً منه لتحقيق مكاسب رمزية وسياسية واقتصادية بالغة الصغر.تُعتبر كلفة إبقاء 14 ألف جندي في أفغانستان حتى شهر فبراير المقبل، بدل سحبهم بحلول شهر نوفمبر، ضئيلة جدا مقارنة بالإنفاق الدفاعي العام، فكم بالأحرى الدين الوطني، أو العجز، أو أي برنامج اجتماعي؟ حتى كلفة إبقاء كل الجنود الأربعة والثلاثين ألفاً المقرر سحبهم خلال السنة المقبلة في أفغانستان لستة أو ثمانية أشهر إضافية ستبدو بسيطة مقارنة بغيرها من المسائل المدرجة في الموازنة. شدّد مسؤول الإدارة بدقة وصراحة على أن سحب هذه القوات يزيد خطر الإخفاق في أفغانستان. ومن الصعب تبرير قرار الإدارة مواجهة هذه المخاطر المتنامية، فضلاً عن المخاطر الكبرى التي قبلت بها خلال عمليات سحب الجنود المبكرة السابقة.لا يُعتبر قرار الرئيس الأميركي بشأن أفغانستان سيئاً بقدر ما كان يمكن أن يكون. ولا شك في أنه ليس سيئاً بقدر ما بدا مؤكداً في مطلع هذه السنة. فمازلنا نملك بريق أمل بالنجاح، بريقاً سيبذل قادتنا، وجنودنا، ودبلوماسيونا في ساحة القتال كل جهدهم للحؤول دون انطفائه. لكن هذا القرار يبقى خطأ يُعرِّض أمن أمتنا لخطر كبير. ونأمل أن يواصل الرئيس إعادة تقييم استعداده للقبول بهذه المخاطر على ضوء التراجع الاقتصادي السريع والنتائج السياسية التي سيواجهها نتيجة خفضه عدد القوات.لم نخسر بعد الحرب في أفغانستان. لم نواجه الخسارة بعد، ومازال الفوز ممكناً. ولكن من الأهمية بمكان أن يتيح البيت الأبيض للجنرال دانفورد هامشاً للتحرك يسمح له بتعديل الجدول الزمني للانسحاب أو طلب حتى بعض التعزيزات المؤقتة، وفق ما يقتضيه الوضع على الأرض.Kimberly Kagan & Frederick W. Kagan
مقالات
المرحلة الأخيرة في أفغانستان وميزان الفوز والهزيمة!
20-02-2013