عندما ابتدأت أطول حرب في تاريخ المنطقة، كان المقبور صدام حسين يلقّب بحامي البوابة الشرقية، وكان الانتماء والولاء لحزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر من أرفع الأوسمة وأشرف الانتماءات، وحينها صُمّت الآذان وعُميَت الأعين عن بيت الشعر القبيح "آمنت بالبعث رباً لا شريك له،،، وبالعروبة ديناً ما له ثاني"!

Ad

واستمر التهليل والتكبير بحمد حامي حمى البوابة إياها إلى أن صحت العروبة من سباتها في الثاني من أغسطس ١٩٩٠ على كابوس صوت دبابات جار الشمال، بعد أن أضاعت الدرب وغيّرت المسير باتجاه بيت المقدس لتتجه جنوباً وتلتهم جارتها الكويت! فلم يبق بعد ذلك من بيت الشعر "بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا,،، خضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا" سوى اللون الأسود القاتم!

فتغيرت في تلك اللحظة الاصطفافات وانقسم العرب، كعادتهم، بين مؤيد ومعارض للتدخل الغربي لتحرير الكويت.

والمفارقة أن النظام السوري "البعثي الهوية" برئاسة حافظ الأسد وقف آنذاك مسانداً للحق الكويتي، وأرسل الجيوش للمشاركة في "عاصفة الصحراء"، فلم نسمع في تلك الفترة رفضاً من قِبل نفس الأصوات التي تتباكى اليوم وتتكسب على مآسي الشعب السوري. ولا عجب، فما الحرية والعدالة والثورة على الظلم في قاموسهم سوى "وسيلة" يرفعون شعاراتها فقط عندما تتوافق مع رغباتهم، وفي المقابل يتركونها في سجون النسيان إذا ما تعارضت مع مصالحهم. وهم لا يتورعون عن نشر فتاوى تجار الدين التي تبيح سفك الأرواح المحرمة، وتوزع تهمة الشرك والإلحاد بدلا من رغيف الخبز، وجمع الأموال التي تفتح شلالات الدم وتستبدل السيئ بالأسوأ. وما "القدس" وفق ثقافتهم سوى "عروس عروبتهم" التي زفّها لهم "مظفر"، وما صحابة الرسول (ص) في عقيدتهم سوى أدوات يتسلقون من خلالها نحو مآربهم الدنيئة.

لذلك نجدهم اليوم يصفقون فرحاً عندما وجه الصهاينة أسلحتهم نحو بلاد المسلمين، ويخرجون على الفضائيات الإسرائيلية مؤيدين، ولا يحركون ساكناً لا تصريحاً ولا تلميحاً عندما قام المجرمون بالتعدي على ضريح الصحابي "حُجر بن عدي" ونبشوا قبره الشريف، وكأن الأمر لا يعنيهم، فإن لم يكن "للجيش الحر" ولا "جبهة النصرة" يد في ذلك الجرم، فلماذا لم نسمع استنكاراً يتيماً من أنصارهم هنا في الكويت؟!

فمن السذاجة اعتبار ما يحصل اليوم في سورية مجرد صراع داخلي في وجه الدكتاتورية أو ثورة شعبية ضد حكم شمولي استمر لعقود من الزمن، حاله في ذلك حال الكثير من الدول في المنطقة! بل إن الحالة السورية تتجاوز كل تلك التوصيفات لتؤكد أنها أصبحت حلبة صراع دولي وحرب بالوكالة ليس لمصلحة الشعوب المظلومة ناقة فيها ولا جمل! ولتعلم المعارضة أنها هي الخاسر الأكبر بسبب التدخل الإسرائيلي المباشر في سورية، وأن قناع الدين الذي ترتديه تلك الفصائل قد تمزق وتكشف قبح الوجوه!

فحرية الشعب السوري لا تأتي على يد عصابات تقطع الرؤوس وتقتل النساء والأطفال وفق الهوية، وكرامة الإنسان لا تكون بنبش القبور، كما أن طريق "الإسلام" الذي يدّعونه لا يتلاقى مع الصهاينة!