كان من المتوقع أن تبادر المملكة العربية السعودية إلى هذه الخطوة الانتشالية والإنقاذية، التي هي أكبر كثيراً من مجرد الوقوف إلى جانب مصر في هذه الظروف الصعبة... على أهمية هذا، فهذه الدولة بشعبها وقيادتها بقيت، وعلى مدى نحو قرن بأكمله، تشكل الوجدان العربي المستيقظ دائماً وأبداً، وبقيت تقوم بدور حارس القلعة، والمسارعة للملمة وضع العرب عندما يضربهم داء التشتت وعندما تبعثر شملهم الفرقة وتغزو صفوفهم البغضاء، وهذا حدث في كل المنعطفات التي مرت بها هذه الأزمة في تاريخها الحديث.
هناك تجربة ربما أن بعض العرب لا يعرفونها، وربما أن الأجيال الشابة لم تسمع بها، ففي عام 1956 بادر الملك حسين، رحمه الله، في الوقت الذي كان فيه الوجود البريطاني في هذه المنطقة لا يزال كاسحاً ومقرراً ومؤثراً إلى خطوة "تعريب" الجيش الأردني وتخليصه من القيادات والهيمنة البريطانية، وكان ردُّ بريطانيا "العظمى"!! كنوع من الضغط للتراجع عن هذه الخطوة، بإيقاف مساعداتها إلى الأردن وبخاصة إلى جيشه الذي كان كله يرابط في فلسطين لحماية ما لم يحتله الإسرائيليون منها، وحقيقة أنه كان من الممكن أن تحدث كارثة فعلية لو لم تبادر المملكة العربية السعودية إلى وقفة كهذه الوقفة الأخيرة التي وقفها خادم الحرمين الشريفين وتشكل مجموعة دعمٍ عربي قدمت للمملكة الأردنية الهاشمية كل ما انقطع عنها من مساعدات بريطانية. وإن المعروف أنه عندما حلَّت بالعرب كارثة هزيمة يونيو (حزيران) المنكرة بادرت المملكة العربية السعودية إلى مساندة انعقاد قمة الخرطوم الشهيرة التي انعقدت في العاصمة السودانية في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1967، والتي جمعت الملك فيصل والرئيس جمال عبدالناصر، رحمهما الله، بعد خصام طويل سببه التدخل المصري في الشأن اليمني الداخلي الذي ثبت أنه كان كارثياً على مصر واليمن والعرب كلهم، فكانت تلك اللاءات الثلاث: "لا صلح لا اعتراف لا تفاوض"، وكان أن انتشلت المملكة العربية السعودية بتغليبها العام على الخاص الوضع العربي من انهيارٍ نفسيٍّ كان من الممكن أن يؤدي إلى كوارث كثيرة.وبعد ذلك وخلال كل سنوات الاهتزاز العربي كانت المملكة العربية السعودية حاضرة دائماً وأبداً بالدعم المالي والمواقف السياسية والمساندة العسكرية إلى أن جاءت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، فكانت تلك الوقفة الشجاعة التي اتخذها الملك فيصل بإيقاف تصدير النفط إلى الدول الغربية كلها بما فيها الولايات المتحدة، وحقيقة أن هذه الخطوة بنتائجها كانت بمستوى الإنجاز العظيم الذي حققته القوات المصرية باكتساح خط بارليف الشهير وإحراز التقدم الذي أحرزته في عمق سيناء المحتلة.وكذلك وخلال حصار بيروت في عام 1982 كانت المملكة العربية السعودية حاضرة دائماً وأبداً لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وكان ياسر عرفات (أبو عمار) يتصل في كل ليلة من ليالي ذلك الحصار الذي استمر لنحو ثلاثة أشهر مرات عدة مع الملك خالد والملك فهد الذي كان وقتها ولياً للعهد، ولعل ما يجب أن يقال الآن أن الجهود السعودية الجبارة هي التي وفرت لمنظمة التحرير وقادتها وقواتها ذلك الخروج الكريم الآمن من بيروت، وهي التي أمَّنت للقيادة الفلسطينية تلك الإقامة الانتقالية في تونس التي استمرت نحو عشرة أعوام إلى حين العودة إلى فلسطين على أساس اتفاقيات أوسلو في عام 1994.والآن وإذْ بادر خادم الحرمين الشريفين إلى هذه الخطوة الانتشالية والإنقاذية الهائلة فإن المفترض أن يترتب عليها مبادرة عربية لإعادة ترتيب البيت العربي، ولتكون هناك مرجعية للعرب كلهم يكون محورها الرياض والقاهرة والرباط، وأيضاً العاصمة الأردنية عمَّان وأبو ظبي والكويت والمنامة، فالفرصة غدت سانحة وبات بالإمكان البناء على ما تحقق ليكون هناك "مدماك" عربي يجب البناء فوقه للبدء بتخليص هذه الأمة من كل هذه الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها.
أخر كلام
هذه هي السعودية
21-08-2013