أنا من المؤمنين أن للأقليات دوراً رئيسياً في ترسيخ الدولة المدنية، خاصة في محيطنا العربي، فهي ضمانة لحماية المجتمعات من أن يسود لون واحد فيها يدفعها إلى التزمت الديني والعنصرية القومية، ولذلك فإن أنجح الدول في البقاء والإبداع هي الدول التي انسجمت مع واقعها المتعدد، وتآلفت مع مكوناتها، وتعهدت بحماية جميع طوائفها وأقلياتها، والحفاظ على خصوصياتها والاستجابة لمطالبها الحقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر سويسرا وسنغافورة وبلجيكا، وإلى حد ما الهند وهولندا.

Ad

وفي الكويت نعتبر دولة مكونة من عصبة أقليات مذهبية وعرقية هاجرت وتآلفت، فلا الحضر يشكلون أغلبية بتنوعهم المذهبي والعرقي، ولا أهل البادية كذلك، فهم قبائل وفخوذ ومواطن هجرات مختلفة من الجنوب والشمال، لذلك كانت الكويت التعددية مصدر إشعاع ثقافي وسياسي في المنطقة، ولكن دورها خبا عندما حاولت مكوناتها أن تتحزم بمرجعياتها الدينية والعرقية، ومنعت بالقانون تجنيس غير المسلمين في عمل تمييزي عنصري لافت لم يتم تصحيحه حتى الآن.

هذا الاستعراض لدور الأقليات في منطقتنا مهم لأتحدث عما تفعله الأقليات في الوطن العربي حالياً من ممارسات انتحارية من علويين وشيعة وأكراد ودروز، خاصة بعد وصول النظام الديني إلى الحكم في طهران، والذي أطلق شعار "تصدير الثورة" الموجه بعناوينه وإيديولوجيته بالمذهب الإثني عشري إلى الجمهور الشيعي، فأحيت أحلام الدولة الجعفرية الممتدة لدى زرافات من الإخوة الشيعة من لبنان إلى جنوب العراق وبعض أطراف الخليج العربي، وهو ما دغدغ مشاعر حافظ الأسد وأحلامه بأنه قادر على أن يجعل سورية مملكة وراثية للعلويين إلى الأبد، يتحكم ويهيمن على لبنان بواسطة تحالفه مع حزب مسلح أمّن له مقاومة العدو الإسرائيلي وأجهزة لبنان الأمنية والعسكرية.

تلك الأحلام العبثية التي أحيتها طهران للأقليات في الشام، وكذلك في العراق، لأن الإخوة الشيعة بما يمثلونه من أغلبية في رقعة جنوب العراق المحدودة هم بلا شك أقلية في امتدادهم في العالم العربي الذي ينتمون إليه مهما طالت فترة بقائهم تحت العباءة الفارسية التي تجفف شطهم، وتحول الأنهار (كارون) وتدمر أراضيهم ومصادر رزقهم، وهو ما سيجعلهم يستيقظون يوماً من مشروع طهران العبثي، ويعودون إلى رشدهم ومشروعهم الوطني العراقي العربي، وسيرون أن احتكار السلطة وإقصاء السنّة كان خطأ تاريخياً خطيراً.

وبالنسبة إلى أهل الشام فإن ما يفعله العلويون والشيعة أو من يمثلهم "حزب الله اللبناني" فهو الانتحار بعينه لأن من يتصور أن هاتين الأقليتين ستنتصران على الشعب السوري هو مجنون أو مخبول، حتى لو حاربت إيران وروسيا بكل قواتهما على الأراضي السورية، فنصر أهل الأرض آتٍ لا مناص، كما أن لعب الأكراد ومناوراتهم في سورية والعراق هو عبث لواقع جغرافي وتاريخي لا يمكن لهم أن يتجاوزوه، وكذلك الدروز عبر الأدوار الملتبسة لهم في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة.

المشهد في سورية غريب وخطير، لاسيما على الأقليات التي تقوم بالحركة الانتحارية للفراشة مع النار، فحزب الله بدل أن يجد له مخرجاً بعد تهاوي قلب المشروع الإيراني المتمثل بسورية، ويتصالح مع محيطه يأخذ نفسه والطائفة الشيعية اللبنانية إلى تورط أكبر في دماء السوريين، والأكراد في الحسكة يعقدون الصفقات لدخول البشمركة واستغلال المحنة السورية، والدروز يلعبون أدواراً مزدوجة في لبنان والسويداء السورية التي تعتبر منطقة آمنة للنظام السوري، وأغلبية العلويين تابعة لمشروع الدولة العلوية الانتحارية، والبطريرك الراعي الماروني أيضا يذهب إلى دمشق ويسحب معه مسيحيي الشرق إلى خانة النظام الأسدي، وهناك حديث طويل عما يفعله الأمازيغ في المغرب العربي... فلماذا تنتحر الأقليات في عالمنا العربي؟