ضمرت الأغلبية المعارضة، وضاعت في تشتت مواقف رموزها، فما بين مطلب الحكومة البرلمانية وتعديل المادة الثانية من الدستور أو أسلمة القوانين كشرط مسبق قبل الحكومة البرلمانية ضاعت الطاسة، وبين تكتيك "حدس" بمضمون أن الحكومة البرلمانية هي التي ستقر القوانين الإسلامية وتشدد حنبلية محمد هايف في أسلمة التشريعات بداية ونهاية، غرقت أحلام التقدميين في صفوف  المعارضة وانكمشوا على أنفسهم، ونأى الكثير منهم عنها منذ بداية تشكيلها، حين تصوروا أنها معارضة بلحية كثة وعصا طويلة ستلهب ظهورهم غداً، ولهم في ذلك بعض الحق وليس كله.

Ad

انتهت الأغلبية المعارضة، لأن عدداً من رجالها وضعوا أعينهم على صناديق الانتخابات ولم يَدُر في وجدانهم وضع برنامج سياسي وتصور كامل للحراك المعارض، كما شخص الزميل محمد الجاسم، فصناديق الأصوات أولى من وضع خطة إصلاح سياسي واقتصادي متكاملة تنهي وتضع حداً لدوران عجلة الفساد المالي والإداري التي تسحق مستقبل الدولة، وتبدد مقدراتها من أجل إشباع نهم الاستهلاك وشراء الولاءات السياسية.

بنظرة- ربما- أشمل يمكن أن نفهم ضمور المعارضة اليوم للأسباب السابقة، ولأسباب أشمل تكمن في واقع الدولة الريعي، حين تهيمن السلطة السياسية الواحدة على المقدرات الاقتصادية للدولة كلها، تهب وتسلب، تعطي وتأخذ، كما تريد وكيفما تشاء... تنفخ جيوب البعض وتسلب حريات الكثيرين، تفتح صنابير المال على الناس، وتحقن أوردتهم بأفيون عطايا دون مناسبة وتغيّب وعيهم عن مستقبل محفوف بمخاطر تمس وجود الدولة، حتى أضحت الكويت مجرد مشاريع من شاكلة أطول عمارة، وأكبر مستشفى، وأضخم مدرج رياضي، وبها كلها تنبض بالحياة كتل ضخمة من الفساد والتسيب، بينما هناك واقع مزرٍ للخدمات الصحية والتعليمية وأزمة مرور خانقة، وإدارات حكومية مكتظة بالموظفين الجالسين بلا عمل ولا إنتاج، وشباب يجوبون الشوارع بسيارات فخمة بلا هدف غير قتل حالة الملل والفراغ الروحي.

في تلك الدولة الريعية المتسلطة، هراوات الأمن تصبح قاسية على المعارضين، وقفازات القانون تتحرك بسرعة للكم مَن يتجرأ على النقد ويمارس حق التعبير، هي قفازات أدمت الكثير من الشباب القابعين اليوم في السجون... لأنهم تكلموا وعبروا عن حلمهم، ربما أساؤوا وسيلة التعبير، لكنهم لم يهددوا الدولة، ولم ينقلبوا على النظام، لكن الرد يأتي سريعاً، بأن هذا هو القانون، الذي لم يحترم، ولا يهم إن كانت القوانين قاسية أو متعجرفة، فالمهم أن تحترم هذا القانون فقط وما على شاكلته، أما بقية القوانين التي تحاسب على النهب المبرمج وجرائم الرشوة الكبرى والمحسوبيات فقد رُكنت جانباً في خزائن النسيان.

المعارضة، ضعفت وتشتتت، ويا فرحة جماعات المطبلين والمهرجين المداحين المتنعمين بخير المكرمات والعطايا، ويبقى السؤال قائماً، هل ستنهض المعارضة من جديد وتأخذ في حسابها أن منهج الإقصاء والتخوين لشرائح من المجتمع لم يعد مجدياً، وأن تدرك يقيناً أنه مادامت أسعار  النفط عالية فستكون مهمتها أصعب وأقسى؟