ليست هناك مؤشرات فحسب، بل حقيقة فعلية تؤكد أنَّ أميركا، إنْ لم تطرأ انتكاسة ويحدث تراجع، قد لا تصبح أميركا السابقة التي كانت كل مواقفها إزاء القضية الفلسطينية مخزية ومخجلة، وكان موقفها تجاه كل ما يجري في سورية، التي هي إحدى الحلقات الرئيسية في الشرق الأوسط مكانة وجغرافيا وشعباً وإمكانيات، أقل ما يمكن أنْ يقال فيه إنه "مائع" وغير مبرر وغير مفهوم، وإنه تسبب في معظم المآسي التي بات يعيشها هذا البلد، وسبب ظهور "جبهة النصرة" التي تسربت إلى واجهة صورة المعارضة السورية.

Ad

عندما نقرأ في الـ"هيرالد تريبيون" الأميركية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن باراك أوباما سيطلب من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زيارته الشرق أوسطية، التي من المفترض أن تتم خلال هذا الشهر، وضع جدولٍ زمني وخطة مفصلة للانسحاب من الضفة الغربية "كجزء من مبادرة أميركية تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2014"، وعندما نقرأ أيضاً في الصحيفة نفسها أنه إذا فشلت محاولات تشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلية "مما قد يؤثر في تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين" فسيعلن الرئيس الأميركي استعداده للعمل بنفسه من أجل تطبيق خطة الانسحاب هذه من الضفة الغربية، فإننا نشعر بأن تغييراً كبيراً سيحدث وأن الولايات المتحدة، إن حدث هذا فعلاً، ستتغير ولن تعود هي الولايات المتحدة السابقة.

وهنا فإننا نجد أننا مضطرون إلى فرك عيوننا بأيدينا مثنى وثلاث ورباع لنتأكد أن هذا الذي قرأناه، والذي لم نسمع نفياً له من الإسرائيليين أو الأميركيين، ليس مجرد أضغاث أحلام ولا مجرد هلوسات وجدانية، فأَن يصبح موقف الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية هو هذا الموقف، فذلك يعني أن أميركا هذه لم تعد أميركا السابقة التي بقيت مؤيدة وداعمة لإسرائيل سواء كانت ظالمة أو مظلومة، رغم أن إسرائيل كانت، ولاتزال دائماً وأبداً، ظالمة ومعتدية ومحتلة.

وفي ذروة صراع المعسكرات والحرب الباردة فإن سبب انحياز بعض العرب إلى الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية هو الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، والآن إذا ثبت أن الولايات المتحدة ستُقْدِم فعلاً على هذه الخطوة، التي ستهز العالم كله والتي ستقلب معادلة الشرق الأوسط رأساً على عقب، فإن مواقف العرب، حتى العرب الأكثر تطرفاً، سوف تتغير وسوف تكون أولوية الصداقة والحب والغرام لأميركا، لا لروسيا ولا للصين، ولا لأيٍّ من دول الاتحاد الأوروبي.

كانت هذه هي المسألة الأولى، أما المسألة الثانية فهي أننا عندما نسمع وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول أكثر من مرة خلال جولته الأخيرة في المنطقة إن نظام الأسد فقد شرعيته في حكم شعبه، وليس ثمة طريقة لاستعادة هذه الشرعية، وأن واشنطن ازدادت ثقة "بشكل كبير" بأن الأسلحة التي ترسلها دول أخرى إلى المعارضة السورية تذهب إلى القوى المعتدلة داخل هذه المعارضة "التي لدينا الآن ثقة أكبر بها" وليس إلى المتطرفين، فإننا نتأكد أن هناك أيضاً تغيراً أميركياً إيجابياً تجاه المسألة السورية وأن هذا التَّغيُّر إن استمر، ويتوقع أن يستمر، سيعجِّل بالانتقال السياسي المطلوب في سورية، وسيعجل برحيل الأسد وضمان صمود الوحدة الوطنية السورية.