يظن الكثير من المصريين أن 2012، ثاني أعوام الثورة، لم يكن تمهيداً للانقسام السياسي الحاد المنذر بحرب أهلية، فقط، بل عاماً للعنف الدموي المستحدث على الشارع المصري، وسنة من المجازر «العلنية»، بدأت بـ«مذبحة بورسعيد» وانتهت بـ»مجزرة الاتحادية»، على الرغم من أن الثورة المصرية لم تطلب سوى «عيش حرية كرامة إنسانية».
الانقسام كان أول هدايا العام المنصرم إلى القوى الثورية في مصر، وربما كان آخرها أيضاً، وبكل أسف، فقد مثَّل عام 2012 محطة انقسام كبير، في صفوف هذه القوى، التي كانت "معاً" في طريق الثورة، منذ يومها الأول، ضد النظام السابق، فصارت في العام الثاني مُقسمةً إلى الأبد، بين نظام حكم يرفع شعاراتٍ إسلامية يعتبرها البعض نوعاً من ممارسة الديكتاتورية، ومعارضة ليبرالية نشيطة ومؤثرة، تناضل من أجل أن تتحقق الحرية، بشعار "الثورة مستمرة".ففي 23 يناير 2012، ومع أولى جلسات انعقاد مجلس الشعب، ذي الأغلبية الإسلامية الكاسحة، خرجت القوى الثورية تطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى رئيس مدني، ففوجئت بحشود من جماعة "الإخوان المسلمين" تحاصر مبنى البرلمان، وتمنعهم من الوصول إليه.وبعد أقل من يومين، وفي الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، وبينما خرجت الملايين تحت شعار استكمال الثورة، مطالبة بسرعة انتخاب رئيس مدني، وتقديم رموز النظام السابق إلى محاكمات جدية، مرددين هتافاً موروثاً من العام الماضي 2011 هو "يسقط يسقط حكم العسكر"، دعت جماعة "الإخوان" الشعب للخروج للاحتفال بذكرى الثورة، وتوافد أعضاؤها إلى شوارع القاهرة وعدد من المحافظات في أجواء احتفالية، أثارت استياء الميدان، الذي اشتعل في ذلك اليوم باشتباكات محدودة.وجاء يوم 2 فبراير ليعيد رابطة مشجعي النادي الأهلي المصري "أولتراس أهلاوي"، إلى صدارة المشهد، فقد استيقظت مصر في صباح الذكرى الأولى لموقعة "الجمل"، على مذبحة أكثر بشاعة، شهدها ستاد بورسعيد، كان ضحاياها 74 من أعضاء أولتراس النادي الأهلي، لينظموا سلسلة من المسيرات إلى "الداخلية" والنائب العام والبرلمان، تطورت إلى اعتصام استمرَّ نحو شهرين بالقرب من مجلس الشعب، أغلقوا خلاله جميع الشوارع المؤدية إليه.وكان شهر مارس هو الأكثر اشتعالاً بالتظاهرات خلال العام، فلم يكن يمر يوم دون مظاهرة واحدة على الأقل، رغم تنوع مطالبها، وبرزت خلال هذا الشهر تظاهرة نظمتها قوى ثورية تندد بسيطرة الإسلاميين على تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، وتلك التي نظمتها "الإخوان المسلمين" رافعة شعار تسليم السلطة وإقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري.واعتبر شهر أبريل الأكثر دموية بعد السحل والضرب والقتل العشوائي، الذي شهده اعتصام نظمه سلفيون أمام وزارة الدفاع، في نفس التوقيت الذي أغلق فيه باب الترشح للرئاسة، من دون أن تضم قائمة المنافسين مرشَّحهم حازم صلاح أبو إسماعيل، بعدما استبعدته اللجنة العليا للانتخابات لأن والدته "المتوفاة" كانت تحمل الجنسية الأميركية.وقد أعاد أبريل إلى التحرير ذاكرة المظاهرات المليونية بثلاث مليونيات حاشدة، حملت أسماء: استرداد الثورة، إنقاذ الثورة، وحماية الثورة، في أيام 13 و20 و27 من الشهر، لكن مع وصول الدكتور محمد مرسي إلى الحكم، هدأت وتيرة التظاهرات السياسية فترة قاربت الأربعة شهور، حيث وقفت القوى الثورية تترقب ما يسفر عنه الصراع، بين الرئيس الجديد والمجلس العسكري، وإن كانت حينها لم تبخل بدعمها للرئيس ضد قرار المجلس العسكري بحل مجلس الشعب "الغرفة الأولى للبرلمان"، ثم تأييدها لقرار مرسي بإقالة قيادات المجلس العسكري.لكن الشوارع التي منحت ثقتها للرئيس، واعتصرها الغضب انتظاراً لإنجازاته، سرعان ما انتفضت ضده، حيث اندلعت تظاهرات حاشدة رفضاً لإصداره إعلاناً دستورياً يعطي قراراته حصانة أبدية، ضد الطعن عليها أمام القضاء، ليختتم العام بمظاهرات حاشدة، استنفرت تظاهرات "إسلامية" مُضادة، في ميدان جامعة القاهرة وأمام مسجد "رابعة العدوية"، وتطوَّرت إلى "مجزرة"، كان ضحيتها 10 متظاهرين أمام قصر "الاتحادية" الرئاسي، واتهم فيها عناصر من جماعة "الإخوان".لم يكن عمال مصر يدركون، حينما فجروا شرارة ثورة يناير 2011 بإضراباتهم المتكررة، أن مرور عامين على الثورة، لا يكفي لتحقيق مطالبهم، وأن أوضاعهم ستزداد سوءاً بدرجة أكبر مما كانت عليه أثناء حكم الرئيس السابق حسني مبارك.
دوليات
مصر 2012: سنة المجازر العلنيَّة... وانكسار الإسلاميين (1-2)
29-12-2012