لكي نستوعب موقف الدولة القمعية من نقدها في الخارج، علينا أن نفحص أسلوب تعاملها مع مواطنيها في الداخل. ومن الملاحظ أنه كلما زادت الدولة في سلوكها القمعي داخلياً، شعرت بالفزع من النقد الخارجي، والعكس بالضرورة صحيح، فكلما تقدمت الدولة في مجال الحريات والانفتاح السياسي والعدالة، استقبلت النقد الخارجي برحابة صدر، وردّت عليه بمنطقية وعقلانية، دون شعور بالقلق.

Ad

هناك منطق متماسك لدى القائمين على الدولة القمعية تجاه أي نقد يوجه إلى الدولة خارج حدودها، وبالذات عندما يقوم به مواطنوها. والقائمون على السلطة ينظرون إلى أن النقد الموجه من الخارج إلى انتهاكاتهم هم، وإخفاقاتهم هم، حتى لو كان مرآة عاكسة لما يحدث فعلاً في الداخل، على أنه عمل عدائي ضد الدولة، وأن من يقوم به لا يعدو كونه خائناً أو عميلاً لجهات أجنبية، هكذا حرفياً، بل لا تقف الدول القمعية ومنطقها القمعي المتماسك عند هذا الحد، ولكنها تخلق ترسانة قانونية قمعية تتناغم مع منطقها المتماسك، المتهالك، لا فرق. وتتمحور تلك الهياكل القانونية، حول تجريم أقوال المواطنين في الخارج، واعتبارهم متآمرين على الدولة، لمجرد نقدهم لسلوكيات السلطة القمعية ومطالبتهم بإصلاح تلك السلوكيات.

الحسن في الأمر أن هذا النوع من الدول ومنطقه المتماسك المتهالك آخذ في التراجع، والدول التي تغير من سلوكها القمعي إلى أفق أكثر رحابة، آخذة في الازدياد.

وحقيقة الأمر فإن المتغيرات على الساحة الدولية، ليست في مصلحة المنطق القمعي بل ضده، ولذا وجدنا الدول القمعية تسعى جاهدة إلى إجراء عمليات تجميل، على الوجه والأرداف وكذلك عمليات التكميم السياسي، لإظهار أنها ليست دولاً قمعية، بل تسير في ركب الانفتاح السياسي والحريات العامة، ولولا استشعار تلك الدول أهمية المتغيرات الدولية في الجانب الحقوقي، لما سعت من جانبها إلى نثر تلك المساحيق لإخفاء البثور والدمامل التي يأملون أن تؤدي إلى إضفاء قدر من القبول الدولي لها، وهي ليست إلا شراء للوقت ليس إلا.

وللحديث بقية.