تستمد مذكرات خليل الرواف (1895 – 2000) أهميتها من أن كاتبها أخذ يدونها ويوثقها في سن مبكرة من عمره، رغم الترحال الطويل الذي وسم حياته، من مشرق الوطن العربي إلى أوروبا وأميركا التي أمضى فيها شطراً من حياته، حينما وصلها في ثلاثينيات القرن المنصرم، زوجاً ورحالة جوّاباً، ومشاركاً في التمثيل ضمن فريق هوليوود. تتناول هذه المذكرات الطريق التجاري الطويل الذي رسمه «العقيلات» من أعماق نجد إلى وهاد الشام وسواد العراق ومياه النيل، لتوثق بعضاً من صفحات تلك التجربة الفريدة.

Ad

ويقول الناشر إن هذه المذكرات تكشف أن الرواف في ثلاثينيات القرن العشرين كان المهاجر السعودي الأول والأخير إلى الولايات المتحدة الأميركية «ولك أن تتصور صور الكفاح النادر للنجدي الذي مضى إلى آخر العالم، فاكتسب مع لغته لغة، ومع ثقافته ثقافة، وخاض تجارب متنوعة عاش لذة انتصارها وخيبة انكسارها، وبلغت أسمى أشكالها في دعوته إلى الإسلام، وإمامته للمصلين، وتعريفه بفضائل قومه، وعرفت خبرة نادرة كاد يضيع توثيقها عن مشاركته في فيلم «اي كفر ذا وور» في هوليوود. وفوق ذلك، بدأت في أميركا قصته الإنسانية التي فاقت خيال الروائي، اذ فرقت الظروف بينه وبين ابنه علي مسافة بضعة اشهر من ميلاده، فلم يلقه إلا وقد انتصف الابن في عقده الخامس، فكان اللقاء الثاني مع نواف الذي أصبح كليف الضابط المتقاعد من خدمه الجيش الأميركي!».

سيرة ذاتية

ولد خليل الرواف في دمشق، وهو ينتمي بالأصل إلى أسرة عربية عريقة من أسر قبائل تميم النجدية مارست العمل التجاري بين مختلف بلدان المشرق العربي، واختصت بتجارة الإبل وتقديم الحماية والمرافقة لقافلة الحجيج الشامية.

مرت حياة الرواف في ثلاث مراحل، قضى الأولى منها مواطناً ينتمي إلى بلدان المشرق العربي، ثم أمضى المرحلة الثانية في الولايات المتحدة الأميركية وعاش المرحلة الثالثة في السعودية. وقد تعرّف في فترة ما بين الحربين إلى الملك عبد العزيز آل سعود، فكانت علاقته به متينة، واستمرت هذه العلاقة مع خلفاء الملك عبد العزيز أو الأسرة الحاكمة في السعودية.

قبل هجرته إلى الولايات المتحدة تولى الرواف مهاماً عدة  داخل المملكة، وفي المهجر حيث كان المهاجر السعودي الأول إلى الولايات المتحدة، أوقف جميع نشاطاته على خدمة وطنه وأنجز الكثير، كالمساهمة الفعالة في بناء مدينة في فلوريدا لجمع شمل العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وكان نشاطه هذا نشاطاً دعوياً في سبيل الإسلام. كذلك رعى الجاليات العربية هناك، وعلم ناشئتها اللغة العربية والإسلام وأسس المدارس وعمل إماماً للمسلمين في نيويورك لفترة طويلة.

دور سياسي

وفي تقديمه للكتاب يرى الدكتور عثمان الرواف أن فصول الكتاب الأولى لا تحكي فقط حقبة أحد أبناء العقيلات وتنقلاته ولكنها تصف الظروف السياسية والاجتماعية للجزيرة العربية وبلاد الشام مطلع القرن العشرين قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها وبعدها.

في فصول الكتاب الأولى يجد القارئ وصفاً دقيقاً لرحلات وتجارة العقيلات ولبعض مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة في دمشق والحجاز وبغداد وحائل والزبير والكويت والبصرة والمحمرة ومعان وغيرها من المدن العربية، مثل زحلة وبيروت، إضافة إلى أهم مضارب القبائل العربية في المملكة وسورية والعراق. كذلك يتعرف القارئ في هذه الفصول إلى المزيد من قوة الملك عبد العزيز وحنكته، كما يرويها أحد الأشخاص الذين عاصروه وأحبوه، ويطّلع على تفاصيل تؤكد أهمية المملكة ودورها في السياسة العربية منذ الثلاثينيات، أي منذ السنوات الأولى لعمر المملكة الفتية. فقد كانت الزعامات العربية الوطنية التي قاومت الاستعمار في سورية والعراق ومصر وفلسطين تتطلع نحو المملكة بوصفها الدولة العربية الوحيدة المستقلة في تلك الفترة.

لا يتناول الجزء الثاني من الكتاب قصة رحلة ابن العقيلات إلى أميركا فحسب، بل يصف الولايات المتحدة ومعالمها وحضارتها، كما شاهدها وتفاعل معها أحد أبناء البادية، وحاضرها بعد وصوله إليها في منتصف الثلاثينيات الميلادية.

تاريخ شفهي

وانطلاقاً من الكتاب يرى عثمان الرواف أن «التاريخ الشفهي» أدى دوراً مهماً في إثراء دراسات التاريخ الإنساني، وساهم في توضيح معالم بعض أحداث التاريخ، من ضمنها، بدون شك، التاريخ الحديث للجزيرة العربية. والتاريخ الشفهي هو الروايات الخاصة بالأحداث وما حولها، كما نأخذها من رواية الأشخاص الذين عاصروها أو عايشوها.

وقد يمكننا التاريخ الشفهي أحياناً من توثيق أحداث مهمة قد يغفل المؤرخون عن تدوينها، لكن الأهمية الأساسية للتاريخ الشفهي تأتي من احتوائه على معلومات قد تمكن أساتذة التاريخ من إدراك طبيعة العلاقات الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية السياسية الخاصة بفترة تاريخية محددة. فلقد تطورت دراسات التاريخ الحديثة بشكل كبير وأخرجت التاريخ، كما يرى بعض أساتذته، من دائرة الإنسانيات إلى دائرة العلوم، وأصبح ثمة فرق واضح بين المؤرخ وعالم التاريخ، فالمؤرخ يهتم أساساً بتدوين وتوثيق أحداث التاريخ، والمتخصص بدراسة التاريخ يحاول فهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي ساهمت في توجيه الأحداث التي يدرسها. ويتضمن التاريخ الشفهي، إذا دُوّن، مادة مهمة لكل من المؤرخين وأساتذة التاريخ، ولكن فائدته الأساسية تكون من نصيب الأساتذة الذين يحاولون فهم الأحداث وتفسير العلاقات والتفاعلات المؤثرة بها.

حكم وعبر

يتضمن الكتاب في جزأيه الأول والثاني أحداثاً مهمة، وقصصاً طريفة تهم القارئ العربي أياً كان. يشتمل الكتاب على حكم وعبر الحياة المأخوذة من تجربة رجل مكافح مغامر عاش شبابه في البادية العربية وحاضرها ثم انتقل منها في الثلاثينيات من هذا القرن ليعيش مغامرة أخرى مع ناطحات السحاب في نيويورك ولوس أنجليس وتكيّف مع الحياة الجديدة، على الرغم من الفجوة الحضارية الهائلة التي واجهته لدى هجرته إلى الولايات المتحدة الأميركية. ويحتوي الجزء الثالث المختصر أهم الأحداث التي واجهت الرواف بعد عودته إلى الوطن في الخمسين من عمره، كذلك قصة عثوره على ولده نواف بعد فراق دام خمسة وأربعين عاماً.

في كتاب الرواف متعة في تناول الأحداث وتعددها من الصحراء العربية إلى الأحلام الهوليوودية، مروراً بالتجربة العائلية الغنية والمثيرة للاهتمام.