انقلاب مدبر وحشد مبرر
ما أربك- وما زال يربك- المشهد السياسي المصري هو الخلط بين الأمور وعدم الوضوح والتداخل بين الحقيقة ووجهة النظر، وهو خلط متعمد من جانب الإعلام الأحادي ومقدمي البرامج وخبراء "التوك شو"، وهو خلط بحسن نية ونتيجة حتمية لما يراه بالنسبة إلى المواطن البسيط الذي وقع فريسة للإعلام الموجه، فتشابكت الأفكار وتشوهت المبادئ وتاهت الحقائق.وأصبح المواطن غير قادر على التمييز بين المقدمات والنتائج، ولا بين الدوافع والوقائع، فصار تبرير الانقلاب والموافقة عليه نتيجة طبيعية لرفض "الإخوان" والإسلام السياسي (ولا عزاء للديمقراطية)، وأصبح كره "الإخوان" سبباً مقنعاً لعزل الرئيس وحبسه.
ومن يرفض الانقلاب ويتمسك بالديمقراطية يتهم بالتأسلم وغياب الفكر! وأصبح نصف الشعب هو الشعب كله... والنصف الآخر إرهابياً وخائناً.بداية نذكر الجملة التي يحلم الكثيرون بسماعها ويحاولون اختصار المشهد السياسي كله فيها وهي "فشل مرسي"، ونقول بصدق وصراحة نعم فشل مرسي... "فشل في إفشال مخطط إفشاله" (حاول قراءتها مرة أخرى) لم يكن الانقلاب وليد اللحظة في بيان السيسي يوم 3 يوليو، ولكنه بدأ من اليوم الأول لتولي مرسي الحكم سواء على المستوى الداخلي أو العربي.فقد كان يوم تولي مرسي للحكم يوماً أسود في نظر قوى الفساد الداخلي والتآمر الخارجي، وبعد فشل التشكيك في نتيجة الانتخابات ونزاهتها بدأ استثمار الوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية بزيادة حجم التظاهرات ونزلت مجموعات "البلاك بلوك"، وتم تعطيل مصالح المواطنين وإثارة الأزمات والمشاكل الحياتية اليومية (سولار- كهرباء- غاز) مما رفع مستوى الغضب والرفض من جانب المواطن للرئاسة.وأصبح المواطن تربة صالحة وأرضاً خصبة للمرحلة الثانية من المخطط الانقلابي "حملة تمرد"، وهي كما اتضح وسيتضح أكثر وأكثر لعبة مخابراتية بامتياز تمويلاً وتنسيقاً وإدارة (راجع الانقلاب على مصدق في إيران 1953)، وعندما بدأت الصورة تكتمل قام الجيش بدوره في المرحلة الأخيرة، فكان بيان "الإنذار الأول" في 23- 6 ثم الإنذار النهائي قبل 48 ساعة، ثم الحشد الجماهيري في 6 ساعات وتصوير طائرات الجيش له وإرسال الفيديو إلى جميع وسائل الإعلام الداخلي والخارجي (ثبت كذب كل الأعداد التي تم ذكرها ونسبت إلى مسطرة غوغل وعداد تويتر). وفي النهاية أسفر الانقلاب عن وجهه القبيح الفاضح في بيان السيسي في 3-7، وتم عزل الرئيس وحبسه وإغلاق القنوات وتكميم الأفواه وقمع الحريات والاعتقال على الهوية.قبل الحديث عمّا تلا الانقلاب والحشود والحشود المضادة- في المقال القادم إن شاء الله- أضع بين يدي القارئ هذه الأسئلة للمساعدة في جعل الصورة أكثر وضوحاً ونقاءً: * ما مدى صدق العبارة "الشعب كله خرج يوم 30- 6"؟* لماذا انحاز الجيش إلى مجموعة دون أخرى؟* هل كان من الممكن عزل مرسي وحبسه لو لم يتدخل الجيش؟* المساعدات المالية العربية بعد الانقلاب هل هي لدعم مصر أم ثمن للقضاء على "الإخوان"؟* اعتكاف شيخ الأزهر هل هو اعتكاف توبة وندم أم زهد وعبادة أم علة ومرض؟* هل تعتقد بوجود دور لقوى فساد العصر المباركي في مظاهرات 30- 6؟بالإجابة عمّا سبق ندرك تماماً هل ما حدث في 30- 6 ثورة حق وكرامة أم انقلاب فساد وخيانة؟وللحديث بقية إن كان للحرية متسع.