يبحث مستخدمو شبكة الإنترنت الأميركيون عن معلومات بشأن كوريا الشمالية بوتيرة عالية لم يسبق لها مثيل، فالبحث على غوغل عن "كوريا الشمالية"، الذي يوازي راهناً سبعة أضعاف الذروة التي بلغها خلال عام 2006 (حين أجرت كوريا الشمالية اختباراً نووياً)، يفوق بأشواط البحث عن بيونسي أو حتى الرئيس أوباما.

Ad

احتلت عبارة "كوريا الشمالية" الأسبوع الماضي المرتبة الثالثة بين أكثر المصطلحات رواجا على "تويتر"، بعد عبارتَي "الفصح" و"الجمعة العظيمة". ويبدو أن موجات شبكة الإنترنت هذه تعكس وجهات النظر الأميركية العامة: يشير معهد بيو إلى أن 36% من الأميركيين يتتبعون الأخبار "عن كثب" (وهذا غير اعتيادي بالنسبة إلى مسألة دولية)، وأن 56% منهم يعتبرون أن على الولايات المتحدة أن تأخذ هذا الخطر "على محمل الجد".

لكن المفارقة أن هذا الاهتمام المتزايد لم يتحوّل على ما يبدو إلى فهم أعمق للخطر الكوري الشمالي، الذي يحظى بهذا القدر الكبير من الاهتمام.

يُظهر استطلاع الرأي عينه، الذي أجراه معهد بيو، أن 47% من الأميركيين يعتقدون أن كوريا الشمالية تستطيع إطلاق صاروخ نووي يمكنه بلوغ الولايات المتحدة، وهذا غير صحيح بالتأكيد. كذلك يقول 10% منهم إنهم لا يعرفون ما إذا كانت كوريا الشمالية قادرة على ذلك، ما يعني أن عدد الأميركيين الذين يظنون أن كوريا الشمالية تستطيع تنفيذ اعتداء مماثل يفوق مَن يعتقدون العكس. واللافت للنظر أن هذه الإحصاءات لم تتبدل مطلقاً بين مَن يدّعون أنهم يراقبون عن كثب أخبار كوريا الشمالية ومَن لا يكترثون بها. من هنا يتبين أن الاطلاع على الكثير من الأخبار عن كوريا الشمالية لا يساعد الأميركيين في تكوين فهم أفضل للمسائل الأهم المرتبطة بالخطر المحتمل الذي يشكله هذا البلد على الولايات المتحدة.

إذن، لنوضح هذه المسألة جيداً لا بد من الإشارة إلى أن كوريا الشمالية لا تملك راهناً القدرة على ضرب الولايات المتحدة بصاروخ نووي. أولاً، لم تطوّر صاروخاً قادراً على اجتياز هذه المسافة. وثانياً، حتى لو كانت تملك صاروخاً مماثلاً، لم يصبح برنامج كوريا الشمالية النووي متطوراً كفاية لإعداد رأس نووي صغير كفاية ليوضع في صاروخ.

علاوة على ذلك، أظهر استطلاع بيو أن 47% من الأميركيين يعتقدون أن قيادة كوريا الشمالية مستعدة لتنفيذ تهديدها وإطلاق صاروخ نووي على الولايات المتحدة. وترتفع هذه النسبة بين مَن يدّعون أنهم يتابعون الأخبار عن كثب: يعتقد 59% منهم أن نظام كيم يونغ أون مستعد لمهاجمة الولايات المتحدة بصاروخ نووي.

لا شك أن مسألة استعداد نظام كيم لتنفيذ تهديداته أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن كل محللي الشأن الكوري الشمالي يعتقدون أن هذا البلد لا نية له في تنفيذ تهديداته. وتختلف النظريات التي تعلل الخطاب الكوري الشمالي: فيقول البعض إن كيم يسعى للفوز بتنازلات من الغرب، في حين يعتبر البعض الآخر أنه يعمل لنيل دعم الجيش، ولكن عليك البحث جاهداً لتعثر على محلل واحد يشاطر هؤلاء التسعة والخمسين في المئة من الأميركيين رأيهم، معتبراً أن كوريا الشمالية مستعدة لإطلاق رأس نووي على الولايات المتحدة.

لا نعرف أسباب افتقار الأميركيين، الذين يتابعون التقارير الإخبارية عن كوريا الشمالية، إلى معلومات دقيقة عن قدرات هذا البلد العسكرية وعن تحاليل الخبراء بشأن نواياه. ولكن كما كتب شيكو هارلان في صحيفة Washington Post أخيراً، يخدم هذا الشعور بالخوف "مصلحة كوريا الشمالية، لأنه يعزز الشعور بالأزمة في شبه الجزيرة الكورية". حتى إن أحد المحللين الكوريين الجنوبيين ذكر أن هذا جزء "من استراتيجية متعمَّدة للسيطرة على عناوين الأخبار الرئيسة" تمارسها بيونغ يانغ.

حذّر أندري لانكوف، محلل كوري شمالي محترم، في مقال تحليلي نُشر أخيراً في صحيفة نيويورك تايمز، من أن كل هذا الاهتمام بالمخاطر الكورية الشمالية والمبالغة في تقديرها قد يعززان موقف هذا البلد عندما يبدأ أخيراً بمطالبة الغرب بالتنازلات.

كتب لانكوف: "من غير المنطقي أن نأخذ بسذاجة تصرفات الكوريين الشماليين العدائية الكاذبة على محمل الجد ونمنحها الاهتمام الذي يسعون وراءه، فقد يكون من الأفضل أن يحذو الناس في واشنطن ونيويورك حذو الشعب في سيول"، حيث يتجاهل الكوريون الجنوبيين التهديدات الأخيرة.

Max Fisher