من المرجح أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحجم اقتصادها في غضون عقد تقريباً. ولكن إن تأملنا الموارد العسكرية وموارد "القوة الناعمة"، فإننا نتوقع أن تبقى الولايات المتحدة أكثر قوة من الصين طوال العقود القليلة المقبلة على الأقل. فهل لهذا أهمية كبرى؟

Ad

عندما تقلق الأمم كثيراً بشأن عمليات انتقال السلطة، فقد يبالغ قادتها في ردّ فعلهم أو يتبعون استراتيجيات خطيرة. فكما يذكر ثوسيديديس، كان سبب الحرب البيلوبونيزية (التي مزّق فيها نظام الدول-المدن الإغريقي نفسه) بروز قوة أثينا والخوف الذي ولّدته اسبرطة. على نحو مماثل، يُقال إن الحرب العالمية الأولى، التي دمّرت مركزية نظام الدول الأوروبية، تعود إلى بروز قوة ألمانيا والخوف الذي نشرته بريطانيا (علماً أن أسباب هاتين الحربين كانت أكثر تعقيداً بكثير).

يتوقع بعض المحللين أن تكتب أحداث مماثلة قصة القوة في القرن الحادي والعشرين: سيزرع بروز الصين الخوف في الولايات المتحدة، ما سيقود إلى صراع كبير. لكن هذا هو الوجهُ السلبي من التاريخ. بحلول القرن العشرين، كانت ألمانيا قد تفوقت على بريطانيا بقوتها الصناعية، ما يعني أن الولايات المتحدة تملك اليوم وقتاً أطول للتعاطي مع قوة الصين المتنامية، مقارنةً بما تسنى لبريطانيا في تعاطيها مع ألمانيا. كذلك لا داعي لأن تشعر الولايات المتحدة بخوف مماثل. فإن تملك الخوف الطرفين، فقد يبالغان في ردّ فعلهما. فيمارس الصينيون، مثلاً، ضغطاً كبيراً، ظناً منهم أن الولايات المتحدة تتقهقر، في حين تقدِم الولايات المتحدة على خطوات مبالغ فيها خوفاً من بروز الصين.

لعل الطريقة الفضلى لتفادي أمر مماثل هو تبني وجهة نظر واضحة جداً من كل أبعاد القوة والطريقة التي تتبدل بها. وشكلت قمة سانيلاندز الأخيرة بين الرئيس أوباما والرئيس الصيني شي جين بينغ خطوة في هذا الاتجاه.

من الأسباب الأخرى التي تبرز أهمية عدم المبالغة في الخوف توزيع القوة. ستواجه الصين والولايات المتحدة، فضلاً عن أوروبا، واليابان، وأمم أخرى، تحديات عالمية جديدة في قضايا مثل التغيرات المناخية، والإرهاب، والأمن عبر الإنترنت، والأوبئة. ولا شك في أن هذه المسائل، التي ستصبح أكثر إلحاحاً، ستتطلب التعاون، وفي حالات كثيرة المساعدة من وكالات غير حكومية.

تشير استراتيجية الأمن القومي لعام 2010، التي تبناها أوباما، إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تفكّر في القوة كلعبة لا غالب فيها ولا مغلوب، لا كلعبة تعادل فيها خسارة أحد الطرفين مكاسب الطرف الآخر. بكلمات أخرى، بأن تستفيد الولايات المتحدة أحياناً (والعالم أيضاً) من تنامي القوة الصينية.

لنأخذ، مثلاً، قدرة الصين على التحكم في إنتاجها من غازات الدفيئة والحد منها. تُعتبر الصين بالتأكيد قوة عظمى في هذا المجال. لذلك يجب أن نأمل أن تتمكن من زيادة قدراتها في هذا المجال، خصوصاً تطويرها احتياطاتها من الغاز الصخري. ولا شك في أنه لا غالب ولا مغلوب في مسألة كهذه.

في التعاطي مع التحديات العالمية، على الولايات المتحدة أن تبتعد عن التفكير في ممارسة قوتها على الدول الأخرى، وتفكّر في ممارسة قوتها مع الدول الأخرى. يجب ألا يتملكنا الخوف إلى حد نعجز معه عن التوصل إلى طرق للتعاون مع الصين.

تختلف سياسات العالم اليوم عمّا كانت عليه قبل قرنين. فقد تحوّلت اليوم إلى لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد باتت فيها القوة العسكرية بين الدول مركّزة على نحو كبير في الولايات المتحدة، في حين أن القوة الاقتصادية بين الدول تتوزع بطريقة متعددة الأقطاب. أما القوة في مسائل عالمية، مثل التغيرات المناخية والإرهاب والأوبئة، فموزعة بين عدد كبير من الدول. إذن، لا تُعتبر بنية القوة أحادية القطب أو متعددة الأقطاب أو حتى فوضوية، بل تجمع بين هذه الصفات الثلاث كلها. لذلك تقتضي الاستراتيجية الذكية التعامل مع أساليب توزيع القوة المختلفة في مجالات متعددة وفهم أساليب التبادل بينها.

لا تبدو رؤية العالم من منظار واقعي بحت، منظار يركّز على أعلى لعبة الشطرنج ويتوقع صراعاً مع الصين، أكثر منطقاً من رؤيته من منظار ليبرالي يركّز على مستوى واحد ويتوقع التعاون فحسب. في هذه اللعبة التي تستند إلى مستويات ثلاثة، من الطبيعي أن يخسر اللاعب، الذي يركّز على مستوى واحد، على الأمد الطويل. ولكن من حسن الحظ أن الصين والولايات المتحدة ستحققان مكاسب من تعاونهما معاً تفوق ما قد تجنيانه من الصراع... ولكن عليهما أولاً أن تدركا ذلك.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»