فراغ دستوري يدفع ثمنه المسيحيون

Ad

تخشى جهات سياسية لبنانية مراقبة من أن يكون لبنان مقبلا على فترة من الاضطراب السياسي، وربما الأمني والعسكري، شبيهة بتلك التي اجتازها بين عامي 1988 و1990.

يومها، استقر التوافق السوري الاميركي على اختيار النائب السابق مخايل الضاهر لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان، خلفاً للرئيس أمين الجميل. وأرفق هذا القرار بتخيير اللبنانيين بين «مخايل الضاهر أو الفوضى». وقد رفض المسيحيون هذا الخيار – الفرض فدخل لبنان في حالة من الفراغ الدستوري والصراع على السلطة، تخللته «حرب التحرير» التي انتهت بتسوية سياسية دفع المسيحيون ثمنها نتيجة لاختلال التوازن في مرحلة تطبيق الاتفاق بفعل «حرب الإلغاء»، التي أضعفت القوى المسيحية الأساسية.

أما اليوم فإن حزب الله وحلفاءه في قوى 8 آذار، ومن خلفهم النظام السوري وإيران، يرفعون شعار «إما قانون اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات أو الفوضى»، المتمثلة في فراغ دستوري على مستوى مجلس النواب، سرعان ما سيلحق به فراغ رئاسي نتيجة لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في ربيع السنة المقبلة.

صحيح ان عام 1988 لم يشهد فراغا دستوريا بالمعنى النظري للكلمة، لأن الحكومة الانتقالية التي رأسها العماد ميشال عون كان يفترض ان تتولى السلطة تأميناً لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن خلاف اللبنانيين جعل لبنان محكوماً بحكومتين تتنازعان الشرعية.

وهكذا فإن عدم حصول الانتخابات النيابية في موعدها سيدفع مبدئياً بالمجلس النيابي الى تمديد ولايته، ما يجنب لبنان الفراغ الدستوري نظرياً، لكن الانقسامات السياسية لابد أن تترك أثرها لاسيما في ظل تلويح عون بأن عدم حصول الانتخابات لا يعني أن المجلس النيابي سيمدد لنفسه، وانما ستجمع الحكومة الحالية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالاستناد الى اجتهاد فرنسي يتكل عليه عون. لكن هذا الواقع في حال حصوله سيوقع لبنان في ازدواجية سلطة بين جهة سياسية ترفض أن تجمع الحكومة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وجهة سياسية تؤيد هذه المقاربة.

وكما تطور الصراع السياسي في عام 1988 الى نزاعات عسكرية، فإن حالة الاحتقان السياسي الحالية يمكن أن تتطور في أي لحظة الى صدامات عسكرية واضطرابات أمنية، لاسيما في ظل انعكاسات الوضع السوري المتفجر على الساحة اللبنانية.

وإذا كانت حرب 1988 انتهت بتسوية سياسية افقدت المسيحيين وزنهم وحضورهم في السلطة على المستويات السياسية والإدارية كافة فإن المخاوف نفسها تتكرر من ان تؤدي الحسابات السلطوية في هذه المرحلة الى عدم حصول الانتخابات النيابية في موعدها، فيدفع المسيحيون قبل غيرهم ثمن الفراغ المحتمل.

فالصراع القائم على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة صراع سني – شيعي في أساسه، امتدادا لما تشهده سورية خصوصا والعالم العربي عموما. والتسوية ستكون اقليمية بمفاعيل محلية في وقت يتعاطى المسيحيون اللبنانيون مع الازمة من خلال قانون الانتخابات، وكأنها صراع مسيحي – إسلامي على استعادة المسيحيين ما فقدوه من حضور ودور نتيجة للتطبيق الملتوي لاتفاق الطائف بين 1990 و2005 وصولاً الى هذه الايام.

ويحذر المراقبون في ضوء هذا الواقع من ان ما يعتبره البعض اليوم ايجابية «وحدة الموقف المسيحي من قانون الانتخاب»، التي تنعكس قوة للمسيحيين في تأمين حضورهم على المستويات السياسية والإدارية، سرعان ما ستتبخر في حال تم التوصل الى تسوية اقليمية بين العالم العربي وإيران، أو في حال نجح احد فريقي الصراع السني الإقليمي أو الشيعي الإقليمي في فرض وجهة نظره على الآخر، ففي أي من الحالات الثلاث سيدفع المسيحيون مرة جديدة ثمن التسوية من دورهم وحضورهم وفاعليتهم، خصوصا إذا وصلت الخلافات داخل قوى 14 آذار الى فك ارتباط بين مسيحيي هذه القوى ومسلميها، ما يجعل المسيحيين معزولين عن محيطهم، ويجعل أي تسوية تأتي على حسابهم.