الأمر الملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي في تكوينه الجديد المؤلف من رئيس و150 عضواً، وعلى ألا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 20%، كان مصدر حفاوة وترحيب من المنظمات الحقوقية كافة، وجعل المملكة تحتل صدارة الدول الخليجية والسادسة بين الدول العربية والمرتبة الـ80 بين دول العالم لجهة النسبة المئوية للنساء في المجالس البرلمانية.
يأتي هذا القرار غير المسبوق تاريخياً من قبل خادم الحرمين الشريفين، تكريماً مستحقاً للمرأة السعودية ومكانتها في المجتمع السعودي، وتقديراً عالياً لدورها ومساهماتها في مشاريع التنمية، وتأكيداً بما للمرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي خصوصاً في العهدين النبوي والراشدي من مساهمات واسعة في الحياة العامة أثبتها الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في أكثر من 300 واقعة في الصحيحين.كما يأتي هذا القرار التاريخي انتصاراً لتعاليم الإسلام المنصفة للمرأة وتجسيداً صادقاً لقوله تعالى "وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، فالمرأة شريك كفء وعون صادق للرجل في كل مجالات الإصلاح ونشر القيم وحماية الفضيلة والدعوة إلى الخير، وهي نعم المشيرة في اتخاذ القرار العام وإقرار التشريعات المنظمة لشؤون المجتمع والقيام بواجب الرقابة والمحاسبة، وهي كلها واجبات شرعية تدخل ضمن مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة العامة المطلوبة من الجنسين.وقد مارست المرأة المسلمة هذه الواجبات في صدر الإسلام الأول بكل كفاءة، كما أن القرآن الكريم يجعل مسؤولية بناء المجتمع وتقويمة وإصلاحه مسؤولية مشتركة بين الجنسين، ومن أجل ذلك نقول إن وجود المرأة في مجالس الشورى والنيابية عموماً أمر ضروري من أجل ترشيد القرار العام وتدعيم القيم والفضائل، فضلاً عن أنه نوع من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مأجورة عليه، وسيبقى هذا اليوم، الجمعة 29 صفر 1434 الموافق 11 يناير 2013 يوم صدور الأمر الملكي يوماً تاريخياً لا ينسى في تاريخ حقوق المرأة السعودية بشكل خاص وفي الحياة السياسية والثقافة الاجتماعية بشكل عام، طبقاً لمشاري الذايدي.وكان لافتاً تصدر الأمر الملكي الإشارة إلى استشارة عدد من العلماء، فقد جاء في الديباجة "وبناءً على استشارتنا لعدد كبير من علمائنا الأفاضل سواء في هيئة كبار العلماء أو خارجها الذين أجازوا شرعاً مشاركة المرأة عضواً في مجلس الشورى على هدي أحكام الشريعة الإسلامية التي لا نحيد عنها قيد أنملة"، وقد كان أمراً مهماً أن تتصدر هذه الديباجة القرار التاريخي لما في ذلك من اعتبارات دينية واجتماعية وثقافية أبرزها:1- التقدير الكبير الذي توليه القيادة السياسية في المملكة لعلماء الدين ومكانتهم في المجتمع وأهمية دورهم في القرار السياسي المتعلق بالشأن المجتمعي، خصوصاً في مثل هذا القرار الماس بالمرأة ودورها في الحياة العامة، فمعروف تاريخياً أن أي أمر يتعلق بالمرأة يثير حساسيات اجتماعية كبيرة، وقد تكون هناك ردود أفعال مجتمعية سلبية تعرقل تنفيذ القرار السياسي، لذلك يكون من حسن التبصر والحكمة السياسية وإدراك العواقب واحتواء الآثار والتداعيات المجتمعية، التمهيد للقرار السياسي باستمزاج رأي العلماء الأفاضل وأهل الرأي والمكانة في المجتمع، ترشيداً للقرار وتحصيناً له من التداعيات غير المستحبة، فذلك يهيئ المجتمع لتقبل القرار السياسي ويجعله أكثر مطاوعة لتنفيذه.2- حرص القيادة السياسية السعودية على أن يأتي القرار السياسي متسقاً مع المعايير الدينية والاعتبارات الشرعية ومراعياً آداب الإسلام في التعاون بين الجنسين لما فيه خير الوطن، ولذلك وجدنا القرار السياسي بتمكين المرأة من عضوية مجلس الشورى مقيداً بضوابط شرعية منها: الحجاب الشرعي وتخصيص أماكن لجلوس المرأة وبوابة خاصة بها للدخول والخروج، وكل ما يتصل بشؤونها مما يضمن الاستقلال عن الرجال، وهذا ما كنت أنادي به على امتداد عقود من الزمن ودعاة الإصلاح كافة من أن الإسلام لم يحرم أصل الالتقاء النافع بين الجنسين من أجل التعاون لما فيه خير المجتمع وصلاحه، ولكنه نظم هذا الالتقاء بضوابط تمنع الخلوة المحرمة أو الخروج عن الآداب الإسلامية، إذ لو كان الإسلام ضد التقاء الجنسين تحت سقف واحد بالمطلق لجعل للرجال مسجداً خاصاً بهم وللنساء مسجداً خاصاً بهن، ولكن المسجد في الإسلام واحد للجنسين يحضره الرجال والنساء مع وجود تنظيم داخلي معين، فليكن التنظيم الداخلي بين الجنسين للمسجد، هو النموذج الاجتماعي المقتدى به في تنظيم لقاء الجنسين وعملهما في المؤسسات والمجالس المجتمعية كافة.3- تطور الاجتهاد الفقهي للعلماء في السعودية من الموقف غير المحبِّذ لمشاركة المرأة في عضوية مجلس الشورى باعتبارها "ولاية عامة" مقصورة على الرجال إلى موقف شرعي يجوز مشاركتها في عضوية المجلس وفق ضوابط شرعية واجتماعية معتبرة، ولعل في هذا التطور المهم ما يجعلنا نتساءل عن موقف هؤلاء الذين وقفوا بالأمس ضد دخول المرأة البرلمان الكويتي، ورفضوا مرسوم أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية في 16/ 5/ 1999 من نواب في البرلمان وعلماء ومشايخ كويتيين، مستندين في ذلك إلى فتاوى علماء ومشايخ في السعودية، ترى هل يراجعون اليوم موقفهم السابق؟ وهل يعترفون بأنهم كانوا على خطأ؟ وهل يتراجعون؟4- يؤكد هذا القرار التاريخي مرة أخرى، أن قياداتنا السياسية الحاكمة في مجتمعاتنا الخليجية تسبق بمراحل مجتمعاتها في تبني قيم العدالة والإنصاف والتسامح ورفع الظلم ودعم الإصلاح، وذلك سواء فيما يتعلق بحقوق المرأة الخليجية أو فيما يتعلق بحقوق أتباع الديانات والمذاهب الأخرى وحرياتهم من المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما لاحظناه في السياسات والاستراتيجيات التي اتبعتها دول الخليج في تمكين المرأة من حقوقها، وفي كفالة حريات ومعتقدات أتباع الأديان والمذاهب الأخرى، لاحظنا ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة في انفتاحها على الثقافات الأخرى وفي تسامحها مع الآخر المختلف، ولاحظنا ذلك أيضاً في دولة الكويت التي حرصت على إعطاء المرأة كل حقوقها السياسية، وكذلك في مملكة البحرين التي تتمتع فيها المرأة بكل حقوقها، وفي قطر التي تبنت قيادتها السياسية استراتيجية تمكين المرأة القطرية في المناصب القيادية كافة والسماح للمسيحيين بمجمع للكنائس، وكل ذلك في مواجهة قوى مجتمعية سياسية ودينية متحفظة، وهكذا فإن القيادات الحاكمة في دول الخليج متقدمة على مجتمعاتها المحكومة بإرث ثقافي محافظ.* كاتب قطري
مقالات
قراءة للأمر الملكي بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي
21-01-2013