يحكى أن

نشر في 15-05-2013
آخر تحديث 15-05-2013 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي جلس الوالي حزيناً وكأن جبالاً من الهموم قد حطت على صدره فضاق تنفسه، دنا منه حاجبه المخلص قائلاً: مولاي لماذا هذا الحزن والهم، فالدنيا ما زالت بخير والصحة بأحسن حال والبلاد تنعم بفضل من الله بالأمن والأمان والرخاء، وقد غدت مهوى الناس من كل بلاد الدنيا؟ رفع الوالي رأسه وقال وما كاد يقوى على الكلام: والله يا حاجبي المخلص إنه ليؤلمني ويحز في نفسي أن أرى أهلي ومواطني مدينتي والمقيمين على أرضها وهم يعانون "ازدحاما مروريا" خانقا، مما أدى إلى زيادة حالات الإصابة بأمراض الضغط والسكري والتوتر العصبي، إضافة إلى حوادث مميتة وقاتلة، إن ذلك والله يؤلمني فأشعر بأن جبالاً من الهمّ قد حطت رحالها على صدري. رد الحاجب بثقة الرجل المخلص من بين بطانة أفسدها الدهر والبطر فغدا همها مصالحها وليذهب الوطن إلى خانات التخلف والقهر: يا مولاي لقد سمعت أن هناك في بلاد الفرنجة فريقاً متخصصاً في معالجة الازدحامات المرورية ووضع الحلول لها، ولكن المشكلة في الموضوع أنهم يبالغون في طلب المبالغ نظير خدماتهم أو "هكذا يعتقد"، رفع الوالي رأسه وقال بكل حزم: ادفع لهم ضعف ما يطلبون، واطلب منهم الحضور بأسرع ما يكون. بعد أيام حضر الفريق من بلاد الفرنجة، وقام بإجراء دراسة مستفيضة وقدم حلولاً تتضمن:

- توسعة الشوارع إلى ست أو ثماني حارات.

- إنشاء جسور معلقة بأدوار مختلفة.

- إنشاء أنفاق تختصر الطرق.

- إنشاء شبكة قطارات معلقة "مترو" تخفف الازدحام وتسهل الانتقال. - حزم وتشديد في العقوبة للمخالف إلى درجة إلغاء الإقامة للوافدين حتى يحترم الجميع قانون المرور.

قدم الفريق الدراسة إلى الوالي الذي أطرق برأسه وراح بتفكير عميق، ثم رفع رأسه وفي عينيه بريق التحدي والتصميم، وأصدر قراراً بتنفيذ جميع تلك المقترحات في الحال ودون إبطاء وبأسرع ما يكون، ومهما كان المبلغ المطلوب، فالمال ليس أغلى من البلاد، وما قيمته إن لم يكن وسيلة لتحقيق التنمية والرخاء، وهكذا كان، وما هي إلا سنوات ثلاث حتى غدت المدينة تشعر بالراحة، وتلاشى الازدحام أو كاد، وشعر الوالي بالرضا، وتم استبدال شعار "لي متى زحمة" إلى شعار الوصول إلى نسبة "الصفر" في الحوادث المرورية.

آه... كم نحن بحاجة إلى مئة حاجب وحاجب مخلص كما ذاك، يقدم النصيحة الحقة بعيداً عن المصالح الذاتية لانتشال البلاد من دوامة من الإخفاقات، فنحن، والحمد لله، نتمتع بكل الإمكانات وما ينقصنا إلا الإخلاص في العمل، واتخاذ القرار السريع والحاسم، والبعد عن البحث عن الأرخص في تنفيذ المشاريع، فأهل الكويت أول يقولون "من تراخص اللحم خانت فيه لمرقة"، لا بد من التخلص مما يُسمى بالدورة المستندية العقيمة التي تستدعي الحصول على موافقة مئة لجنة وهيئة ابتداء من هيئة البيئة، وهيئة الرؤية الشرعية، والمنافذ الحدودية، والجامعة العربية، واتحاد الجمعيات التعاونية، حتى وصلنا إلى حال لا تسر حبيباً وتفرح ألف حاسد وحاقد! والأسئلة الملحة والحاسمة: لماذا العزوف عن تنفيذ خطط التنمية من قبل كل الحكومات المتعاقبة بلا استثناء؟ هل هناك شيء لا نعرفه؟ وهل هناك من يدفع البلاد إلى الخلف؟  ليس لدينا شك في أن كل من تولى المسؤولية في الحكومات أو مجالس الأمة يكنّ كل الحب للكويت الغالية والغيرة عليها، إذن لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟ فالنظافة هجرت بلادنا وضاعت الديرة تحت أكوام من القمامة ومخلفات البناء، والتعليم يسير إلى الخلف، والصحة دخلت في غيبوبة، وتخصيص الخطوط الجوية الكويتية غدا لغزاً يصعب حتى على "بيل غيتس" حله، وقائمة لا تنتهي.

وهنا لنا الحق في التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى هذا التخلف غير المبرر: هل هي الحكومات المتعاقبة أم مجالس الأمة، كتلة الأغلبية أم كتلة المولاة؟ الإعلام الطازج أم الإعلام الفاسد؟ المواطن أم الوافد؟... الطائفية والقبلية والدينية.. إلى آخره؟

في اعتقادي أن هناك خلطة سرية من كل هذه المكونات أدت بالضرورة إلى انتشار الفساد بكل أشكاله في كل مفاصل الدولة، وأصبح انتشال البلاد من القاع قراراً يصعب اتخاذه ما لم يتم اكتشاف سر هذه الخلطة وإبطال مفعولها.

وحتى ذلك الحين نرفع أيدينا إلى السماء والدعاء الى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

بداية مرحلة: لكم أثلج صدري الحكم الذي صدر بإعادة مشروع "الجزيرة الخضراء" إلى شركة "الخرافي"، إنها بداية الطريق الصحيح ليستعيد القطاع الخاص دوره في تنمية البلاد كما كان في الماضي، فقد أثبتت السنون الماضية فشل المشاريع الحكومية التي غالباً ما تكون مجالاً خصباً للفساد. نتمنى أن تشهد الأيام القادمة الإعلان عن إقامة العديد من المشاريع بقيادة القطاع الخاص.

back to top