تابعت الندوة التي نظمها حزب الأمة وشارك فيها عدد من النواب السابقين كمسلم البراك وعبيد الوسمي وفيصل المسلم والزميل زايد الزيد وآخرين، عنوانها كان "الطريق إلى الحكومة المنتخبة"، وهو ما أغراني بسماع الندوة كاملة لرغبتي في معرفة الوسائل التي سيتبعونها للوصول إلى هدفهم، لكن ظني خاب ولم أسمع أي شيء يدل على استراتيجية مستقبلية واضحة وجاهزة لتطبيقها على أرض الواقع، وحده مسلم البراك الذي توعد- في حال وصوله إلى المجلس القادم- بأنه و35 من زملائه لن يوافقوا على أي رئيس يتم تعيينه من أسرة الحكم، ليعود الأمر مرة أخرى لسمو الأمير ليختار رئيسا من عامة الشعب، لكن هذا الوعد الذي قطعه البراك على نفسه وتعهد به قد يتطلب منه، في حال جاء حكم المحكمة لمصلحة مرسوم الصوت الواحد، الانتظار أربع سنوات قادمة لتنفيذه!
وعلى أي حال، جاءت معظم خطابات المشاركين الآخرين في الندوة سرداً لبعض الأحداث التاريخية التي صاحبت المسيرة الديمقراطية، وكيف أن أسرة الحكم من البداية لم تتقبل وجود برلمان يدافع عن حقوق المواطنين ويحاسب السلطة على أي تجاوز أو تقصير، وهو كلام مكرر تم ترداده في كل ندوات المعارضة، ولا ننفي بالطبع معظمه، لكننا لا نرى أي دخل القيادة السياسية الحالية بأخطاء قد حدثت قبل عشرات السنين، ونرى أن تحميلها وزرها بعيد عن العدالة والإنصاف والعقل والمنطق!وقد عرج، كالعادة، بعض المتحدثين على السيرة المفضلة لدى جمهورهم وهو الحديث عن فساد الحكومة ونهب المتنفذين لثروات البلد، وهي اتهامات لا نستطيع تصديقها وإن كانت صحيحة لسبب بسيط جدا، هو أن من قالها نفسه غير متأكد من صحتها وإلا لكان قد ذهب بالأدلة التي بين يديه إلى النيابة لتقديم بلاغ فيها، لكن الأمر كما يبدو لا يعدو أن يكون سوء ظن مبالغ فيه، والظن بالتأكيد لن يكون كافيا لشخص يبحث عن الحق والإنصاف، غير متعطش للطعن في ذمم الناس دون دليل، ليصفق لكل من يردد هذه الاتهامات!أما حكاية أن يكون لدينا رئيس وزراء شعبي وحكومة منتخبة، فهو مطلب مستحق ولا بأس به تماشياً مع تطور العملية الديمقراطية، لكنه للأسف غير واقعي ولا سبيل لتحقيقه في ظل وجود الدستور الحالي والصلاحيات الواسعة لسمو الأمير الذي أوكل الدستور إليه مهمة اختيار رئيس الوزراء بحرية مطلقة، لذلك، ترى القوم يطرحون الفكرة مراراً وتكراراً دون أن يبين لنا أحدهم آلية تنفيذها، فإن كانوا يظنون أن أسرة الحكم أو القيادة السياسية ستتخلى عن امتيازاتها وتسلمهم إدارة البلد على منطق "لكم الإمارة ولنا الإدارة" فهم واهمون، فالحكم هو الحكومة، وليس هناك حاكم في الدنيا يسلم سلطاته للآخرين دون ضرورة تدفعه لذلك، والقوم لم يكن لديهم سوى الشارع وقد فقدوه بعد مسيراتهم الفوضوية، كما فقدوا كراسيهم في المجلس بمقاطعتهم للانتخابات، وبعيدا عن كل هذا، فلا ننسى كما أن أسرة الحكم في الكويت هي جزء من منظومة الأسر الحاكمة في الخليج، وستتعرض للكثير من الضغوط الخليجية في حال راودتها فكرة الحكومة المنتخبة والرئيس الشعبي، فالفكرة كما قلنا مستحقة لكنها غير واقعية وغير قابلة للتطبيق، على الأقل في الوقت الراهن.إن السياسة أيها السادة هي فن "الممكن" والسياسي الناجح هو الذي يضع نصب اهتمامه المشاريع السياسية القابلة للتطبيق ويسعى إلى تنفيذها، لا أن يتوجه بأفكار تكاد تكون مستحيلة التنفيذ ليعيش الناس في أحلام وردية لا تتحول إلى واقع ليزيد من يأسهم وقنوطهم دون طائل، والأجدر أن يبحث القوم عن مكاسب معقولة وبشكل تدريجي خلال السنوات القادمة لكي تحدث التغيير المعقول عند الناس والمقبول عند القيادة السياسية، وقد ذكرت من قبل أن أول شيء عملت عليه المعارضة هو إحداث الضغط الشعبي على النواب لإجراء تعديل دستوري يفقد الوزراء ميزة التصويت، ويجعل سلطة المجلس أقوى من الحكومة، وهو أمر كان من المحتمل جدا أن يلقى قبولا عند القيادة السياسية ويصلح كثيرا من الخلل الحاصل، دون الحاجة لسلسلة طويلة من المطالبات التي لم يتفق حتى أصحابها عليها، وبدؤوا بالتفرق بسببها شيعا وأحزابا لا تدري إحداها ما تريد الأخرى، ولا يعرفون جميعا السبيل إلى تحقيقها!
مقالات
الطريق... إلى أين؟!
22-03-2013