تقرير اقتصادي : دول الخليج والأزمة القبرصية... النوم في العسل!

نشر في 28-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 28-03-2013 | 00:01
No Image Caption
• تمتلك احتياطات نفطية وأصولاً سيادية ضخمة... وبعيدة عن الاهتمامات الاقتصادية

• الصيغ الإقليمية الوحدوية في العالم تطورت لمصلحة المشروع الاقتصادي

منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة عام 2008، وانتقالها بعد ذلك إلى أوروبا، لم نسمع عن اجتماع خليجي لمناقشة آثار هذه الأزمة على الاقتصادات الخليجية.

التَوت أعناق دول العالم خلال الأسبوع الجاري نحو قبرص، تلك الجزيرة الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط، والتي أطلقت جرس الإنذار بدخول الأزمة المالية العالمية مرحلة جديدة، ليستنفر العالم بمؤسساته السياسية والاقتصادية في سبيل وضع خطط إنقاذ تحد من حجم الكارثة المالية التي يمكن أن تحدث إن أفلست هذه الجزيرة الصغيرة، بينما ظلت دول الخليج نائمة في العسل -كعادتها- منذ بداية الأزمة المالية العالمية بشأن التعامل مع الأحداث الطارئة التي تصيب كل يوم بلدا جديدا.

احتياطات

دول الخليج، التي تستحوذ على 35.7 في المئة من الاحتياطات العالمية للنفط، و49 في المئة من الإنتاج العالمي، لم تستشعر الخطر الذي يمكن أن تسببه الأزمة القبرصية بارتباطاتها الأوروبية على الطلب العالي للنفط أو على الأسعار، في ظل استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادية بالعالم كله.

صناديق

إن دول الخليج، التي تمتلك صناديق سيادية تناهز قيمتها 2.1 تريليون دولار، لم تتفاعل كما يجب مع هذه الأزمة، رغم أن العديد من الاستثمارات السيادية الخاصة بصناديق احتياطي الأجيال موجودة في أوروبا، وبالتالي يمكن أن تتأثر بشكل مباشر من أي تدهور يصيب القارة الأوروبية، لاسيما أن ارتباط الأزمة القبرصية شمل بنوكا ومؤسسات مالية في روسيا وإيطاليا وألمانيا، وغيرها، وهي دول تحظى باستثمارات خليجية مليارية، ولابد أن تتأثر بشكل مباشر من هذه الأزمة أو حتى بشكل غير مباشر عبر الهبوط المتواصل في أسعار اليورو.

بداية الأزمة

في الحقيقة منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة عام 2008، وانتقالها بعد ذلك إلى أوروبا، لتشمل اليونان وأيرلندا وإيطاليا وإسبانيا ومؤخرا قبرص، لم نسمع عن اجتماع خليجي -ولو على مستوى وزراء المالية- لمناقشة آثار هذه الأزمة على الاقتصادات الخليجية أو على الإيرادات النفطية أو الصناديق السيادية، وهو أمر مستغرب جدا من دول تمتلك مليارات البراميل النفطية ومليارات الأصول الاستثمارية، وتتصرف مع الأزمة كأنها تحدث في كوكب آخر.

فالسياسات المالية غير المنضبطة -في ظل أزمة عالمية- أمر لا يخص الكويت وحدها، بل يشمل أكثر من دولة، فلا أحد يعرف جدوى اندفاع صناديق سيادية خليجية كقطر وأبوظبي نحو شراء الأصول في أوروبا بشكل جامح خلال الأزمة، في ظل عزوف بقية المؤسسات العالمية، بالضبط مثلما لا أحد يعلم الحكمة من وراء نمو الإنفاق الحكومي في الكويت خلال الأزمة بنسبة توازي 25 في المئة، مع أن العالم كله يتجه نحو ترشيد سياساته الإنفاقية تحسبا للأسوأ.

ضعف التفاعل

لم تتفاعل أي دولة خليجية مع أزمة الرهن العقاري الأميركية وتبعاتها على البنوك، والتي أدت إلى إفلاس بنك ليمان براذرز، مع أن القطاع المصرفي الأميركي يعتبر من القطاعات المفضلة للاستثمارات الحكومية الخليجية، ولا مع أزمة اليونان، وانعكاساتها الأوروبية التي أثرت على اليورو والاستثمارات والإنتاج... واليوم قبرص تطل برأسها بأزمة جديدة، وللأسف لا أحد يهتم.

إدارة اقتصادية

في مجلس التعاون الخليجي إدارة اقتصادية خاصة لتقديم البحوث والدراسات، وهي إدارة يفترض أن تقدم للمجلس أحدث التقارير الخاصة بالأزمة وتطوراتها، إلا أنها لم تصدر منذ انطلاق الأزمة أي تقرير مفيد يمكن أن يناقش في اجتماع القمة، فضلا عن أن معظم إصداراتها يتناول مواضع متعثرة أصلا بين الدول الأعضاء، كالاتحاد الخليجي أو النقدي.

صيغ وحدوية

الصيغ الإقليمية الوحدوية في العالم كله تطورت لمصلحة المشروع الاقتصادي، لذلك نجد الاتحاد الأوروبي أو مجموعة آسيان، التي تضم مجموعة من الدول الآسيوية الناشئة، أو دول بريكس، التي تضم دولا صناعية ذات اقتصادات كبيرة، كالبرازيل والهند والصين، كلها تجاوزت النظرة السياسية أو الأمنية إلى مشروع اقتصادي فيه من الأرقام أكثر بكثير من الخطابات السياسية... وهذا ما يجب على دول الخليج أن تنتبه إليه سريعا.

التحديات المستقبلية التي تواجه الخليج اقتصادية في معظمها، ومتشابهة من حيث مستقبل البطالة والنفط والإنفاق وغيرها، وبالتالي بات من اللازم أن تتحول النظرة من مجرد منظومة سياسية - أمنية الى اقتصادية تتعاطى مع ملفات فنية، فقد انشغل مجلس التعاون خلال السنوات الماضية بملف منع وصول الربيع العربي إلى عدد من الدول العربية، عبر فتح صناديق دعم مالي بمليارات الدولارات، وهذا دور سياسي مفرط، وغير مطلوب أصلا، وكان من الأولى أن يكون التركيز على الأزمات العالمية الاقتصادية لا الجانب السياسي الأمني.

التعامل المحلي

محليا، يعد التعامل مع أزمات عالمية بمستوى قبرص أقل بكثير مما يجب، فلم نسمع مثلا عن سؤال برلماني عن درجة الاستعداد الحكومي للتعامل مع أي مستجدات مالية يمكن تطرأ على ملف قبرص، وامتداداته الأوروبية، مقابل حكومة ستناقش اليوم مع النواب في اللجنة المالية آليات شراء فوائد القروض المصرفية، في وقت يجب فيه اتخاذ أعلى درجات التحوط وضبط الإنفاق مادام العالم لايزال يعيش حالة عدم اليقين الاقتصادية.

المفارقة أن البرلمان القبرصي، الذي تراخى سنوات في ضبط سياسات الإنفاق المالي، أقر مطلع الأسبوع الجاري ضريبة على الودائع المصرفية، بينما يسعى البرلمان الكويتي إلى شراء فوائد القروض... وبين البرلمانين دروس كثيرة في الانفلات والضبط المالي.

back to top