أدركت السلطانة خُرًّم أن وجود الأمير مصطفى الابن الأكبر للسلطان سليمان من ماه دوران، سيقف كعقبة أمام طموحها، بل وقد تنهي الامتيازات الواسعة التي حققتها على مدار سنوات عدة، وأن وفاة السلطان سليمان في أيّ وقت سيعقبها انهيار نفوذها في القصر العثماني وستعود ماه دوران إلى الواجهة، ولن تتورع في الدفع بابنها لارتكاب مذبحة لجميع أبناء خُرَّم.

Ad

كان الصراع على أشده بين ابن ماه دوران الأمير مصطفى، وابن خُرَّم الأمير محمد، حول حظوة أيهما لدى سلطان الزمان سليمان القانوني، ومع الوقت بدا واضحا ميل السلطان للأمير محمد الذي بدأ والده في إعداده لتولي السلطنة، وأيقن كل مَنْ في قصر توب قابي أن الأمير محمد هو اختيار السلطان سليمان.

في المقابل، أدرك الأمير مصطفى أن لا حليف له في إسطنبول، فوالدته السلطانة ماه دوران، وزوج أبيه السلطانة خُرَّم المسيطرة على الحرملك لن تذكره إلا بكل سوء أمام والده، وكان يدرك ضعف موقفه بعد وفاة جدته السلطانة الأم حفصة خاتون، ومقتل مربيه الصدر الأعظم إبراهيم باشا وإقصاء والدته السلطانة ماه دوران وطردها بعيدا عن قصر الباب العالي بطريقه مهينة، خصوصا مع تولي رستم باشا زوج الأميرة مهرماه بنت السلطانة خُرَّم منصب الصدر الأعظم، فعمل على إقصاء الأمير مصطفى من صدارة المشهد السياسي للدولة العثمانية، لذلك كان طبيعيا أن تتوتر العلاقة بين السلطان وأكبر أبنائه، وما زاد العلاقة توترا، أن السلطان قرر تعيين الأمير محمد واليا على مدينة مانيسا، وهو ما غيَّر قواعد اللعبة تماما.

  كان تعيين السلطان سليمان لمحمد واليا على مانيسا بمثابة إعلان ضمني باختياره وليا لعهد الدولة العثمانية، وإقصاء واضح للابن الأكبر الأمير مصطفى، فالمعتاد في أعراف الدولة العثمانية أن من يتولى ولاية مانيسا القريبة من العاصمة إسطنبول يتولى العرش تلقائيا، وهي الطريقة ذاتها التي وصل بها السلطان سليمان إلى عرش الدولة.

لم يتمالك الأمير مصطفى ووالدته السلطانة ماه دوران غضبهما عندما وصل إليهما نبأ تعيين الأمير محمد على ولاية مانيسا، وتملك الحقد من ماه دوران التي رأت كل أحلامها تتهاوى في عودة ظافرة للقصر العثماني الكبير، أحلامها في أن تعود سيدة للحرملك ذهبت أدراج الرياح، لم تعد تطادرها إلا الكوابيس التي ترى فيها السلطانة خُرَّم تضحك وهي تجلس على العرش العثماني وحولها أولادها، لم تهدأ ماه دوران إلا بعد أن اتفقت هي وولدها أن مفتاح سعادتهما يكمن في اختفاء الأمير محمد من على وجه الأرض.

مؤامرات دموية

كان الأمير محمد أكثر أبناء السلطان سليمان القانوني ورعا وقربا لوالده، وكان سليمان في المقابل يعطف عليه ويضعه في منزلة فاقت جميع أخوته، ولاحظت عيون رجال القصر العثماني أن سليمان القانوني لن يتراجع عن اختيار الأمير محمد لولاية العهد، وأنه بدأ إجراءات الإعلان الرسمي عن اختياره، لذلك أرسله السلطان إلى ولاية مانيسا، وكان أغوات القصر يقولون فيما بينهم «سيكون الأمير محمد ثالث سلطان يحمل اسم نبينا، (صلى الله عليه وسلم)، بعد محمد الأول شلبي، ومحمد الفاتح».

في مانيسا حظي الأمير محمد بحياة سعيدة مع زوجته بهارناز خانم، التي أنجبت ابنة الأمير الوحيدة، هوماشا، سنة 1543م، لم تدم الفرحة كثيرا في مانيسا، فبعد شهرين من ميلاد الطفلة الجميلة، ترددت الصرخات في قصر مانيسا تحمل الخبر الفاجع... لقد مات الأمير محمد.

كان الخبر صاعقة نزلت على السلطان سليمان فأفقدته توازنه، ووقاره، وضيعت فرحة انتصاره في فتح إسترغون المنيعة، وعندما عاد إلى مقر عرشه صرخ يرثي ابنه محمد قائلا: «آه يا أعز أمرائي على قلبي... آه يا محمدي»، وبكاه كما لم يبك من قبل، وأمر مهندسه المعماري الأشهر سنان باشا بتشييد مقبرة فخمة لولده الحبيب في جامع بإسطنبول حمل اسم جامع محمد شهزاده، أما السلطانة خُرَّم فلم تصدق أن ابن الثالثة والعشرين يموت فجأة واتهمت صراحة ماه دوران وابنها الأمير مصطفى بأنهما يقفان خلف جريمة مقتل الأمير محمد، وإزاحته من طريق مصطفى لتولي العرش، وهو اتهام شاركها فيه بعض المؤرخين المتخصصين في تاريخ الدولة العثمانية.

يبقى سبب وفاة الأمير محمد، المرشح الأبرز لولاية العهد العثماني غير معروف بين مرض السل أو الزهري أو غيرهما، فإن الحقيقة الراسخة هي أن الدولة العثمانية فقدت واحدا من أفضل المرشحين للوصول إلى العرش العثماني، حال رحيل السلطان سليمان.

تغيرت السلطانة خُرَّم بعد وفاة ابنها الأكبر، ولم تقل لمن حضر لتعزيتها إلا «بقى لديّ ثلاثة أمراء، لتفكر الأمهات اللواتي ليس لديهن غير ولد واحد»، وكانت تشير إلى ماه دوران، فرغبة الانتقام تملكت خُرَّم بعد أن حمَّلت عدوتها مسؤولية مقتل ابنها الأكبر.

توترت العلاقة بين السلطان سليمان وابنه الأمير مصطفى، كان سليمان مريضاً بالشك يخشى من أن تتكرر مأساة والده السلطان سليم، الذي أزاح أبيه السلطان بايزيد الثاني من على العرش وقتل إخوته، لايريد تكرار المأساة لكنه شعر في كل خطوة يخطوها الأمير مصطفى بقرب تكرار تلك المأساة، ففي كل المعارك التي اصطحب فيها سليمان الأمير مصطفى كان يلقى إعجاب الجنود الانكشارية الذين رأوا فيه فارسا لا يُشَق له غبار، وبدأ مصطفى بمنظره ومواقفه يشبه كثيرا جّده السلطان سليم، فقد كان يمتطي الحصان مثل جده، ويلوّح بالسيف مثله، ويشد القوس مثله، لذلك كان مصطفى محبوبا وسط أفراد الجيش، كما أنه أثبت كفاءة نادرة في إدارة الولايات التي أوكلت مهمة إدارتها له، لكل ذلك أصبح الطريق ممهدا أمامه للوصول إلى عرش الدولة العثمانية. وهو ما لاحظه السفير النمساوي قائلاً في إحدى رسائله «سليمان لديه عدة أبناء، لكن لديه ابن يدعى مصطفى، تلقى تعليما جيدا وهو مؤهل للحكم فهو في الخامسة والعشرين من عمره، ونرجو من الله ألا يسمح لهذا البربري أن يقود جيوشه بالقرب منا».

كانت مسألة الشبه الكبير بين الأمير مصطفى وجده السلطان سليم، تؤرق السلطان سليمان، ففي قرارة نفسه كان يكره قسوة والده السلطان سليم، ويخشى أن يصبح الابن مثله مع توالي الأيام، يخشى أكثر أن يستغل الأمير مصطفى تأييد الجيش والتفاف الرعية حوله، لينقلب عليه، ويقتل كل إخوته، بالضبط كما فعل السلطان سليم مع إخوته، كان سليمان يحدث نفسه كثيرا قائلا: «جدي بايزيد الثاني أرسل أخاه إلى الموت من أجل السلطنة، وخانه أبي سليم في سبيل العرش، ولم يكتف بذلك بل قتل أخويه أحمد وقورقوت، فهل سيلعب القدر اللعبة ذاتها ويجعل ابني يرث ميراث آبائي وينقلب عليَّ؟!»، مخاوف سليمان القانوني تلقفتها خُرَّم وعملت على تضخيمها، ساعدها في ذلك صنيعتها الصدر الأعظم رستم باشا، فعززا مخاوف السلطان فوقعت الجفوة بينه وبين أكبر أبنائه.

من جهته رأى الأمير مصطفى، أن الحظ تبسم له بعد عبوس، فبعد وفاة الأمير محمد الابن الأكثر حظوة لدى السلطان سليمان والمرشح الأوفر حظا لتولي عرش البلاد، عادت أسهم الأمير مصطفى في الارتفاع مجددا، وأصبح على يقين بأنه السلطان القادم لا محالة، وأن الطريق أصبح مفتوحا أمامه للوصول إلى التاج العثماني، خاصة أن رجال الدولة يؤيدونه وقوات الجيش تحلف بحياته، لكن فرحته سرعان ما تلاشت بعدما شعر بجفوة والده نحوه، كما أن أخاه غير الشقيق الأمير بايزيد بدأ يظهر على الساحة كمنافس خطير، خصوصا مع وقوف السلطانة خُرَّم خلفه تدعمه ليصل إلى حكم البلاد.

لم يكن الأمير بايزيد (المولود سنة 1525م) بالخصم السهل فهو أكثر أبناء السلطان سليمان فروسية وصاحب مهارة عسكرية منقطعة النظير، ما جعله مرشحا قويا لتولي العرش العثماني، وجاء تعيين السلطان سليمان للأمير بايزيد واليا على سنجق كوتاهيا القريبة من العاصمة، فضلا عن تعيين شقيقه الأمير سليم واليا على مدينة مانيسا، ليلقي الرعب في قلب الأمير مصطفى، الذي بدأ يشعر أن زوجة والده السلطانة خُرَّم لن تهدأ إلا بعد خلعه من ولاية العهد رسميا.

الخلافة

 الحقيقة أن مسألة خلافة السلطان سليمان، كانت مُعقَّدة بما فيه الكفاية، فسليمان طال عمره أكثر مما ينبغي، ما وفر فترة طويلة نسبية لتراكم الأحقاد واتساع دائرة المؤامرات بين الأخوة، فكل منهم رجل بالغ يطمع في العرش لنفسه، فضلا عن أن وصول أحد منهم يعني حسب التقاليد العثمانية شهادة وفاة للآخرين وفقا لقاعدة قتل السلطان العثماني إخوته الذكور، وتأزمت الأمور بوصول الأمير سليم والأمير بايزيد كل لولايته، فقد أصبح بذلك هناك ثلاثة أمراء في الأناضول جميعهم مرشحون لولاية العرش العثماني، أحدهم هو الأمير مصطفى، والاثنان الآخران أبناء السلطانة خُرَّم، وهو ما يعني بالنسبة لها أن الحاجز الوحيد بينها وبين الوصول إلى كرسي السلطنة هو الأمير مصطفى، وهو ما جعل الأخير في حرب مفتوحة معها، في صراع الانتصار فيه لطرف يعني فناء الطرف الآخر.

 كان السلطان سليمان عندما يرى علاقة ابنيه الأمير مصطفى والأمير جيهانكير، يعتقد أن الحب الأخوي الذي جمعهما قادر على إذابة حقد الحرملك، كان يعلم أوامر ماه دوران لولدها الأمير مصطفى بأن يبتعد عن أولاد خُرَّم، وكيف عصى مصطفى أوامرها من أجل جيهانكير، وكان يصحبه معه في رحلاته ويخرجان معا للنزهة، فمصطفى اعتبر جيهانكير بمثابة ابن له، وهو أمر كان يدخل البهجة على قلب السلطان سليمان، الذي لاحظ الجفوة بين مصطفى وسليم وبايزيد.

لم يكن السلطان سليمان إلا واهما، فحب الأمير مصطفى لأخيه غير الشقيق جيهانكير لم يُنسِه حبه للسلطة والعرش الموعود به، كما أن رياح الكره والغدر الذي طفح به الحرملك كانت كفيلة بالقضاء على أيّ مشاعر حب أو ود تنشأ هناك، فمصطفى لم ينس طرد والدته من الحرملك يلاحقها عار الهزيمة، وشاهد بعينيه سيطرة السلطانة خُرَّم على الحرملك ووالده السلطان سليمان جميعا، وكيف عملت على تصعيد أحد أبنائها إلى منصب ولي العهد، كما نجحت في أن تمد سلطتها إلى الديوان السلطاني بعد أن عينت زوج ابنتها رستم باشا في منصب الصدر الأعظم، لذلك شعر الأمير مصطفى بانحراف والده عنه واقترابه من إعلان أحد إخوته أبناء السلطانة خُرَّم لولاية العهد، خاصة أن رستم باشا استغل منصبه في بث سمومه في صدر السلطان سليمان لشحنه ضد مصطفى.

لذلك بدأ الأمير مصطفى يبحث عن أنصار لقضيته بين الجنود وكبار رجال الدولة، فهو يدرك جيدا أن قضية بلا حلفاء سيكون مصيرها الفشل، فهو يريد معرفة ما يجري في قصر الباب العالي، من حوارات ونقاشات بين السلطان سليمان وكبار رجال دولته حول مصير التاج العثماني، لذلك حرص على جمع تأييد خيالة الأناضول والقوات المرابطة هناك، فربما يحتاج إليها إذا ما حدث حادث ومات والده الطاعن في السن، ودبرت زوج والده السلطانة خُرَّم مؤامرة لإجلاس أحد أبنائها على العرش العثماني في مؤامرة تدبر بليل، وقتها لن يكون أمامه إلا اللجوء إلى القوة العسكرية لإعادة حقه المسلوب.

لذلك لم يكن من الصعب، في ظل هذه الأجواء الملبدة ومناخ الشك بين الأب وابنه، على الصدر الأعظم رستم باشا إقناع السلطان سليمان بأن الأمير مصطفى بدأ يعد العدة، مستغلا محبة الجنود الإنكشارية له، لانقلاب عسكري يطيح بالسلطان من فوق عرشه، وهو ما عزز مخاوف سليمان من تكرار مأساة والده سليم مع جده بايزيد، خاصة أن الشائعات بدأت تصل من الأناضول إلى إسطنبول بأن الأمير مصطفى جمع حوله تأييد عدة فرق من الجيش العثماني في الأناضول، فضلا عن قبائل التركمان وشراء ولاء قطاع الطرق في مسعاه للهجوم على العاصمة العثمانية، لتنفيذ انقلابه على والده.

في تلك الأثناء، كان السلطان سليمان يعيش لحظة تحقيقه أكبر انتصار في تاريخ الديبلوماسية العثمانية، فغزواته واسعة النطاق في بلاد البلقان اقتربت خلالها الجيوش العثمانية غير مرة من فيينا عاصمة مملكة النمسا والمقر الرسمي لتاج الإمبراطورية الرومانية المقدسة، أكبر كيان سياسي في أوروبا وقتذاك، لذلك وقعت معاهدة إسطنبول في 19 يوليو 1547م، الذي وقعها الصدر الأعظم رستم باشا نيابة عن الدولة العثمانية، واعترفت المعاهدة بجميع فتوحات القانوني في البلقان وبلاد المجر، وأن يدفع ملك ما تبقى من بلاد المجر جزية سنوية، فضلا عن أنه يعترف بالسلطان سليمان بأنه بمثابة والده، كما تقرر ألا يستعمل ملك إسبانيا شارلكان لقب إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي تضم إسبانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والنمسا وألمانيا، في مخاطبته السلطان العثماني، وأن يستخدم لقب ملك إسبانيا عند مخاطبته الباب العالي، وتقرر في المعاهدة كذلك أن تقتصر صفة الإمبراطور في مخاطبات الدول الأوروبية مع الدولة العثمانية على بادشاه العالم السلطان الأعظم سليمان القانوني.

 وبذلك أصبح سليمان القانوني أكبر حاكم في أوروبا كلها رسميا، وشكلت تلك المعاهدة ذروة المجد بالنسبة للدولة العثمانية طوال تاريخها في أوروبا، لقد اعترفت الدول الأوروبية بسمو السلطان سليمان والدولة العثمانية ورجحان كفتها على أي دولة في أوروبا، وبذلك يكون سليمان الذي حصل على لقب العظيم والكبير من الأمم الأوروبية، قد أنهى سنوات صراعه مع عدوه اللدود الإمبراطور شارلكان، بانتصار القانوني بشكل حاسم بعد حروب استمرت 30 سنة، وهو ما جعل سليمان يتوجه إلى الجبهة الأخرى التي تشغل باله، نقصد بها الحرب مع الدولة الصفوية الشيعية، فبعد أن حققت جيوشه انتصارات ساحقة وثبتت أقدام الدولة العثمانية في العراق، وصدت الهجوم الإيراني على الأراضي العربية.

في ظل تلك الظروف زورت أوراق رسمية من قبل الصدر الأعظم رستم باشا، تتضمن اتفاقاً وهمياً بين الأمير مصطفى والشاه الإيراني طهماسب، على أن يساعد الأخير الأول في الوصول إلى العرش العثماني، مقابل أن يتزوج الأمير مصطفى من ابنة الشاه ويتنازل له على أملاك الدولة العثمانية في العراق، الوثائق المزورة وقعت في يد العاهل الكبير سليمان، الذي جن جنونه وأيقن أن ابنه الأكبر الأمير مصطفى سينزل كارثة على الدولة، فالخوف من امتداد تيار التشيع إلى الأناضول كان أكبر كوابيس القانوني على الإطلاق، وقع سليمان في فخ الدسائس التي تحاك من حوله والتي نفذتها السلطانة خُرَّم والصدر الأعظم رستم باشا، وقرر التخلص من أكبر أولاده فورا.

عالم الجواري

يعد القسم الخاص بتربية الجواري في الحرملك، قطاعا قائما بذاته، أخذ الكثير من أجواء ألف ليلة وليلة، فما إن تدلف الجارية عالم الحرملك العثماني حتى تخضع لبرنامج تثقيفي وتعليمي مكثف، لتتحول خلال بضعة أشهر إلى شخص جديد، تتقن أكثر من لغة، تعزف على الأدوات الموسيقية، تلقي الشعر، تحفظ آيات الذكر الحكيم، وتتمسك بالتقاليد الإسلامية، فكانت جواري القصر العثماني مضرب الأمثال في الأدب والظرف والدلال.

وتنوعت مصادر تزويد الحرملك العثماني بالجواري، وجاء في الأهمية عملية الشراء الحر من تجار الرقيق وأسواقه، الذين جمعوا أعدادا كبيرة من سبايا الحروب، وهو ما أمن احتياجات قصر الباب العالي من الجواري الحسان بشكل كبير، تلى عمليات الشراء عمليات الخطف التي اتبعها بعض قطاع الطرق الذين امتهنوا خطف الفتيات الصغيرات من المدن الأوروبية وبيعها في أسواق النخاسة، وعن طريق هذا الأسلوب دخلت خُرَّم الحرملك، أما المصدر الأخير لجواري السلطان، فكان عن طريق الهدايا التي قدمها كبار رجال الدولة أو سفراء الدول الأوروبية، وكان هدف هؤلاء الرجال أن تحظى الجارية المقدمة بعناية السلطان واهتمامه، علها في مستقبل الأيام تكون وسيلة لتحقيق مطالبهم ومطامعهم.

 وإذا ما وقع الاختيار على جارية لتنضم إلى جناح البادشاه، فإنها لا تكلف بأي عمل في الحرملك، بل تخضع لدروس مكثفة من أجل تربيتها وتهذيبها وتعليمها قواعد الدين الإسلامي، وتقاليد الحرملك وآداب الحديث، وإذا أمكن تتعلم الجارية عدة لغات وفنون الموسيقى والرقص، لتكون جديرة بالحضور في معية سلطان العالم.