كتب الباحث اللبناني أحمد بيضون في أحد تعليقاته على الفيسبوك، الشذرة الآتية: «نشرتُ هنا «بيت عتابا» لا طعمَ له سوى أنه يطمح إلى إثارة الابتسام. فتحصّل له 28 «لايكاً» في 24 ساعة. بعد ذلك بساعة، نشرت مقالة قصيرة نسبياً (ألف كلمة) كدحتُ في الإعداد لها وفي كتابتها يومين كاملين. فحصّلت المقالة على 7 «لايكات» أي ربع ما نالته «العتابا» بالضبط!».

Ad

يضيف بيضون: «لم أنصب فخّاً لأحد. ولا أرمي إلى العتاب ولا إلى الانتقاد. فلا اعتراض لي على التسلية بل أنا من أهلها. لكنني أرى في هذه الواقعة إشارة بعيدة المغزى. ومفادها أن ثلاثة أرباع الفيسبوك مكرّس للتسلية وربعه فقط لمزاعم تغيير العالم». ما ينطبق على لايك بيضون ينطبق على كتبه، فهو الذي أصدر كتاباً كثير الأهمية بعنوان «الصراع على تاريخ لبنان» منذ الثمانينيات من القرن الماضي، لم تنفذ نسخه حتى الآن. الكتاب، الذي يفكك منطق التأريخ في لبنان ويقرأه من مختلف جوانبه السياسية والأيديولوجية والطائفية، لم يتواصل مع أفكاره إلى بعض النخب اللبنانية، صار مرجعاً لبعض الباحثين ولكن لم ينح لأن يصبح كتاباً شعبياً يضطلع عليه العوام. ربما يتعلق الأمر بلغة أحمد بيضون الخاصة والصعبة إذا جاز التعبير، والتي لم يتعود عليها القارئ العادي والعابر.

وبالعودة إلى شذرة بيضون، وبغض النظر عن  المعادلة التي طرحها في نسبة الذين يريدون «تغيير العالم» أو الذين يكرسون وقتهم للتسلية، تفتح النقاش والجدل حول «ثقافة اللايك» وما تحمله من دلالات في حياتنا ويومياتنا وثقافتنا وأطر تواصلنا وأحياناً تصادمنا وتنابذنا مع الآخر.  

ووصل حضور النقرة السحرية إلى عالم النشر، فحضور بعض الكتاب لم يعد بقوة نصوصهم بل بالنقرات التي يتلقونها، وثمة دور نشر تختار كتبها طبقاً لما تفرزه المدوّنات من نقرات أو تعليقات. لنتخيل أن أحدى الشاعرات الجديدات زارت دار نشر في بيروت وعرضت مسودة ديوان لطبعه، وحين رفض غضبت الشاعرة، وقالت إن لديها 5 آلاف صديق وصديقة على الفيسبوك، وتتلقى يومياً مئات اللايكات على قصائدها. حتى الدار نفسها توزع لافتات تطالب بمزيد من اللايكات لصفحة الدار باعتبارها ذات أهمية.

على هذا، ثمة من وصف شعراء هذا الزمن بـ{شعراء اللايك» على نحو ما نقول «شعراء قصيدة النثر» و{شعراء التفعلية» و{شعراء الجنوب»، ويمكننا أن نضيف إليهم «سياسي اللايك». فقد لاحظ الناشط الفيسبوكي نزار مرتضى الفارق الغريب والشاسع بين عدد اللايكات القليلة التي يتلقاها النائب اللبناني نهاد المشنوق (العقلاني) المعروف بعقلانيته مقارنة باللايكات الكثيرة التي يتلقاها ابنه صالح الذي يبالغ بـتطرفه وتشدده، كأن العقلانية في السياسة أمر غير مرحب فيه في لبنان مثل نشرات الأخبار الهادئة، وبعض الجمهور أو قسم كبير منه يبحث عن مواقف فيسبوكية مجبولة بالشحن المذهبي والتطرفي والسياسي والعقائدي، ولا يستسيغ الهدوء ولا تهمه الرصانة في النصوص أو الأفكار.

قارئ نهم

 في نقاش مع الكاتب وسام سعادة حول ثقافة اللايك، قال إنه ذات مرة كتب مقالاً طويلاً ونشره على صفحته على الفيسبوك، وفي الثانية التي نشر فيها المقال وضع أحدهم لايكاً، بدا هذا القارئ النهم أسرع من «سوبرمان» في إبداء إعجابه. من هذا المنطلق، تكون اللايك أحياناً قائمة على الخداع وسلوك يتعلق بالأصابع لا بالعقل، فكثير من هواة النقرة على الفأرة (الماوس) لا يهتمون بمضمون الكتابة بل بالأشخاص الذين يتواصلون معهم، ووتيرة اللايكات لا تساير النص بل ترتبط بشهرة أصحابها، فنجوم الشاشة يحظون بأضعاف مضاعفة من لايكات الأشخاص العاديين.

اللايك في الفيسبوك هو من ضمن منظومة ثقافية أو اجتماعية وإعلامية ميديائية سائدة يقوم جوهرها على ثقافة سطحية. شهدنا سابقاً ظاهرة «المقال الأكثر قراءة» على بعض المواقع الإلكترونية، والأكثر قراءة يكون خبراً جنسياً عابراً أو شائعة تتحدث عن طلاق هذا الفنان أو فضيحة تتعلق بتلك الفنانة وما شابه ذلك. وفي معارض الكتب نجد موجة «الكتاب الأكثر مبيعاً» الذي تحاك حوله علامات استفهام كبيرة، خصوصاً في زمن موضة تواقيع الكتب التي تحولت كرنفالاً اجتماعياً، فمن يشتري الكتاب لا يقرأه بالضرورة. ناهيك بقافلة «النجمة الأكثر جماهيرية»، أو «النجم الأكثر شعبية».... وسائر الأكثريات الوهمية والسرمدية في البرامج التلفزيونية والسياسة والمواد الاستهلاكية والكهربائية، فحتى إحدى الشركات الكهربائية تضع إعلاناً يقول إن برادها «الأكثر انتشاراً».

يبقى القول، إن قيمة النقرات أو لايكات الإعجاب التي يتلقاها المرء على تعليق ما تساوي «نقرة ديليت».