حين شرع الزعيم ماو في الصين بالقفزة الكبرى عام ٥٨ حتى تنهض صناعياً مات أكثر من عشرين مليون صيني من جراء المجاعات، وأخذت عائلات في القرى تأكل جيف أبنائها أو تتبادل أجساد الأطفال الموتى مع عائلات أخرى. كانت القيادة الصينية تستند إلى قانون.

Ad

وحين استهل ستالين عهده المرعب في الاتحاد السوفياتي ونقل الملايين من مناطق سكنهم وألقى بهم في سيبيريا، ثم فتح أبواب "الكولاج" (معسكرات وسجون العمل الجماعي) وشرد وقتل الملايين من الشعب الروسي، ومن البولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية، بشكل يفوق ما صنع النازيون مع بولندا كان ستالين يستند في كل ما فعل إلى قانون.

وحين ابتدأ السيناتور مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة حملة ملاحقة أهل الفن والأدب بتهم الانتماء إلى التنظيمات الشيوعية كان القانون أو الغلو في تفسيره يقف خلف ذلك السيناتور.

ماذا عن بلاد العرب؟! عدّوا من غير حساب؛ من قانون الطوارئ في مصر الذي استمر ما يقارب الثلاثين عاماً، إلى أن أسقطته ثورة يناير، إلى قوانين ليس لها أول ولا آخر في دولنا القمعية دون استثناء، والتي تذوب فيها الدولة بشخص الحاكم، كانت الأنظمة تتوكأ دائماً على نص القانون!

لا يهم التفكير حول ما إذا كانت تلك القوانين دستورية أم غير دستورية في بلاد ليس لها تراث في الحكم الدستوي، ولا يهم إن كانت تلك القوانين لم تصدر عن الإرادة الشعبية إنما تم تفصيلها من ترزية النظام الحاكم. يكفي أنها "قوانين" وتعبر عن إرادة "صاحب السيادة"... وليس بالضرورة أن تبصم السلطة التشريعية عليها إن كانت تلك السلطة ملحقة تابعة لرب العمل الحاكم، أو تهمل تلك السلطة مراجعة تلك القوانين حين يغيب البعد الثقافي التشريعي عند نوابها، مثلما حدث في الكويت حين بقيت قوانين سيئة تخالف أبسط مبادئ العدالة سارية عقوداً من دون أن يقربها أحد من النواب.

لن أكرر أمثلة على تلك القوانين، لكن القانون الذي يحظر التجمعات والمظاهرات السلمية مازال قائماً، ويؤسس شرعية جوفاء للداخلية لقمع المظاهرات بحجة عدم الحصول على ترخيص منها وهي صاحبة الأمر والنهي. والترخيص هنا يعد ضرباً من الخيال، وعليه فهناك دائماً المبرر القانوني للسلطة وأتباعها لقمع التجمعات ومصادرة حريات الشباب، وتجد أحزاب "التبع" تبريرها اللازم بعبارة "ليس للمتظاهرين" ترخيص! وهناك قانون الجنسية الذي يطلق يد السلطة دون قيد في منح الجنسية أو سحبها أو إسقاطها دون معقب من القضاء. فوض السيد صالح الفضالة كي يصرح أن مجرد وجود اسم طالب الجنسية في إحصاء ٦٥ لا يعني بالضرورة أنه يستحقها، متى يستحقها إذاً في غير حالات المزاج الشخصي لصاحب الأمر والسلطان؟! لكم أن تفتحوا أضابير قوانين كثيرة سارية في دولة "يارب لا تغير علينا" تضرب بحقوق الإنسان وحريته عرض الحائط، وليس لأحد أن يعترض عليها، أقصى ما تتوقعه السلطة من المعترضين عليها أن يتهامسوا بها سراً فيما بينهم، أكثر من ذلك سيعني هراوات القوات الخاصة تهوي على أجساد الشباب منهم، وغازات تخنق أنفاسهم. ألا يكفي أن هذه السلطة بقوانينها وممارساتها تخنقنا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي حتى اليوم؟!