حتى لو استجابت المملكة العربية السعودية لرغبات الذين ناشدوها للتراجع عن قرار رفض العضوية المؤقتة لمدة سنتين في مجلس الأمن الدولي، فإن ما بادرت إليه، وفي كل الحالات، يشكل "خضَّة" كان لا بد منها لإثارة قضية كان من الضروري إثارتها على المستوى العالمي، الدول والشعوب والهيئات المعنية، لوضع هؤلاء جميعاً أمام مسؤولياتهم بعد أن أصبحت أهم هيئة دولية محكومة بازدواجية المعايير، وغدت عاجزة إزاء العديد من الأمور الشرق أوسطية الإقليمية المتعلقة بأهم القضايا العربية وأخطرها.
كان لا بد من قرْع جرس الإنذار، وكان لا بد من رفع الصوت عالياً بعدما بقي مجلس الأمن الدولي منحازاً لإسرائيل على مدى خمسة وستين عاماً، وبقي يستخدم حق النقض الـ"فيتو" استخداماً جائراً ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والذي شكل بالرضوخ الدائم والمستمر للإرادة الأميركية الظالمة حارساً للاحتلال الإسرائيلي قبل يونيو عام 1967 وبعده حتى الآن.لقد شمل هذا الانحياز أيضاً السكوت الدولي المريب على حصول إسرائيل على الأسلحة النووية ومنذ سنوات سابقة بعيدة، وهذا في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة والملتهبة؛ مما دفع إيران إلى السير على هذا الطريق الخطر والسعي بدورها إلى امتلاك هذه الأسحلة المدمرة التي إنْ هي حصلت عليها، والواضح أنها ستحصل، فإنَّ هذه المنطقة قد تصبح ميداناً لصراع مدمِّرٍ لا حدود لأخطاره على البشر والزرع والضرع وعلى كل شيء!!إنه لا بد من إعادة النظر بهذه المعادلة الدولية التي بقيت تحكم عمل مجلس الأمن الدولي على مدى كل هذه الأعوام التي تغيَّرت خلالها أمور كثيرة، والتي فصَّلها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على مقاساتهم، ثم إنه لم يعد جائزاً أن تحكم خمس دول فقط العالم بأسره، وأن تقرر مصاير شعوب وأممٍ على أمزجتها وحسب مصالحها، وأنْ تحسم هذه الدول مساوماتها وألاعيبها على حساب هذه الشعوب وبخاصة شعوب ما سموه: "العالم الثالث" الذي لا تزال تُستلب إرادته وتنهب ثرواته وتُدْخَلُ دوله وشعوبه في صراعات لا نهاية لها لاستنزافه وتحويله إلى مستورد للأسلحة ولكل ما تنتجه مصانع الدول الرأسمالية الغربية.لخمسة وستين عاماً بقيت الولايات المتحدة، ومعها دولتا الاستعمار القديم بريطانيا وفرنسا، تستخدم مجلس الأمن الدولي، هذا ما غيره، للتآمر على قضايا الشعوب والتلاعب بمصايرها، وهنا فإن المعروف أنَّ دولة إسرائيل كانت صنيعة هذه الدول، وأنَّ مجلس الأمن الدولي الذي كان يجسد معادلة المسُتبدِّ غير العادل كان ولا يزال حاضنة هذه الدولة، وحاضنة كل حروبها، وأيضاً حاضنة انتهاكاتها للقرارات الدولية التي اعتبرت ظلماً لانكسار المعادلة الشرق أوسطية منصفةً للشعب الفلسطيني وحقوقه.ثم وإنَّ ما يُثبت أنه لا بد من مراجعة وضعية معادلة مجلس الأمن الدولي الموروثة منذ أربعينيات القرن الماضي أنَّ روسيا الاتحادية، وريثة الاتحاد السوفياتي، ومعها الصين وللأسف، بقيت من خلال حق النقض الـ"فيتو" تحمي الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري الذي كل ذنبه أنه طالب بالإصلاح والانتقال ببلده من أسوأ استبداد عرفه التاريخ إلى استحقاقات الألفية الثالثة، وأنها، أي روسيا الاتحادية، قد حمت أبشع جريمة عرفها هذا القرن، أي القرن الحادي والعشرين، وهي جريمة استخدام هذا النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد أطفال أبرياء وضد مدنيين ليس لهم علاقة مباشرة بهذا الصراع المحتدم الآن في سورية.ولذلك فإن مع المملكة العربية السعودية كل الحق أن تقرع الجرس، وأن تتخذ هذا الموقف الشجاع الذي اتخذته، والذي أيقظ شعوب العالم ودوله المُستضعفة والمُنتهكة الحقوق من غفوة طويلة، وجعلها تدرك كم أن مجلس الأمن الدولي بصيغته المستمرة منذ أربعينيات القرن الماضي بقي يشكل غرفة عمليات لاضطهاد كل شعوب الكرة الأرضية المستضعفة والتآمر عليها؛ مما يتطلب إعادة النظر بتركيبته الحالية وأنظمته وطريقة عمله وكيفية اتخاذ قراراته، وعلى نحو ينسجم مع مستجدات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.
أخر كلام
قرار شجاع وضروري
21-10-2013