وفاة أسطورة

نشر في 18-08-2013
آخر تحديث 18-08-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري لم يكن رجلا عاديا ولن يكون رجلا عاديا. كان فعلا كما وصفته وسائل الاعلام العالمية والعربية "أمة في رجل". حين مرض د. عبدالرحمن السميط كان خطيب تلك الجمعة شابا يدرس الاسلام في كندا قادما من مدينة تورنتو خطيبا في مسجد السلام في أوتاوا. شاب إفريقي من كينيا بدا عليه الوجوم وهو يتحدث عن الرجل الذي أسلم على يديه وبدأ طريقه العلمي في الفقه الاسلامي. تحدث الشاب عن رجل من الكويت اسمه عبدالرحمن السميط نذر حياته لنشر الدعوة الاسلامية في مجاهل افريقيا وأدغالها ليسلم على يديه الملايين من البشر في وقت تشتد فيه الدعوات التبشيرية المسيحية. دعا الخطيب للدكتور السميط ثم تحدث في خطبته عن سماحة الاسلام التي تعلمها وآمن بها.

لم يكن السميط يبحث في رسالته التي تبناها عن حزب سياسي يتبنى حركة اسلامية لقتال الناس ولم يستخدم سوى الوجه الجميل للفكر الاسلامي وسماحته واحتوائه الآخر. لم يطلب من الذين أسلموا على يديه حمل السيف واستخدام العنف في وجه الحركات الأخرى المخالفة لديانته. وبسبب هذا التسامح العظيم كان يكسب أنصارا ما كان سيكسبهم لو استخدم خطاب الدعاة الذين يتوعدون الناس بالويل والعذاب.

الدكتور السميط درس الطب في بغداد وليفربول وفي جامعة ميجيل في كندا والتي أسس فيها جمعية الطلبة المسلمين بين عامي 1974 و1976 لتبدأ رحلته مع العمل الخيري مستخدماً مصطلح Philanthropic الذي استخدمه اسخيلوس تعبيرا عن محبة برومثيوس للانسان حيث يقدم للانسان المحروم من الحضارة ما يساعده ليكون انسانا معاصرا. وفي أحد لقاءاته تحدث السميط عن قبيلة في مجاهل افريقيا كان أناسها عراة لا يرتدون شيئا. فقدموا لبعضهم الملابس وطلبوا منهم أن يدخلوا القرية بها ثم لحقوا بهم ليروا أثر ذلك على الناس وليجدوا أنهم تركوا الملابس على الأشجار ودخلوا القرية عراة. في مثل تلك الظروف كان يعمل دون يأس أو ملل محاولا التواصل مع الانسان البدائي ليخلق منه صاحب ثقافة وينتمي الى حضارة.

الرسالة التي حملها السميط فشل فيها كثير من دعاة الاسلام المقاتلين الذين لا يرون امكانية أن يقتسم الأرض مع الآخر أو يتقبله. انتشر اسلام السميط بسماحته في أكثر من 30 بلدا افريقيا ليسلم على يديه ملايين البشر مستخدما طريقا دعوية صادقة لا يبحث فيها عن جاه أو سلطة أو تسلط.

كان السميط في افريقيا يعمل ما يمكنه لتقديم صورة مغايرة للاسلام فيجذب الناس اليه بينما كان المسلمون في أراضي الاسلام يعملون نقيض ذلك، فلا الخطاب الذي يستخدمونه ولا السلاح الذي يحملون كان له أن يرسم صورة المسلم الحقيقي، بل استطاعوا بخطابهم العنيف أن يرسموا صورة نمطية للمسلم الارهابي الذي يدعو الى تكفير المسلم المخالف له في الفكر الاسلامي ذاته وتكفير المسيحي الذي يقتسم معه العروبة والانتماء الى أرض واحدة.

لو كان لدينا أكثر من عبدالرحمن السميط باحسانه ووداعته وحسن مجادلته في بلادنا لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. والسؤال المحير ماذا لو ذهب دعاة الحرام والتكفير والقتل والتفجير الى نشر الاسلام في افريقيا فهل يسلم أكثر من عشرة ملايين انسان؟ وماذا كانت ستصبح عليه خطبة الأستاذ الكيني المسلم؟ هذا إذا أسلم.

back to top