في ذروة كل هذا الاستقطاب الذي تعيشه المنطقة، وبينما جيوش الفرس ومعها كل الشراذم الطائفية تذبح أطفال عاصمة الأمويين بشظايا الصواريخ وبـ"الكيماوي"، وتذبح العروبة في صدور وقلوب أبناء الشعب السوري، فإنه أمر طبيعي، بل إنه واجب قومي وديني أن يكون هناك اصطفاف عربي، وأن تكون هناك كتلة عربية من السعودية ومصر والمغرب، وأيضاً من الأردن والإمارات والكويت والبحرين، وممن يرغب من الدول المترددة في التخلي عن ترددها.

Ad

إن غير الطبيعي أن تتخذ هذه الدول العربية المشار إليها آنفاً وضعية المنتظر والمتفرج والمستنكف، بينما تستهدف مصر على هذا النحو، وبهذه الطريقة، وبينما ينحاز حتى باراك أوباما إلى الإخوان المسلمين، وكأنه محمد بديع أو القرضاوي، وبينما لم يبق على الممثلة الأوروبية كاترين آشتون إلا أن تطيل لحيتها، وتحمل "مسبحة" رياء في يدها، وتغير "فستانها" بجلباب إخواني، وتعلن "الجهاد"، على غرار ما فعله رجب طيب أردوغان، الذي ظننا ذات يوم قريب أنه محمد الفاتح الجديد، ضد الشعب المصري وضد كل من وقف ضد اختطاف هذه "الجماعة" للثورة المصرية.

إنه كان يجب أن تقف السعودية إلى جانب الشعب المصري وهو يواجه أكبر محنة يتعرض لها في تاريخه المعاصر، خاصة أن أمن مصر هو أمن هذه المنطقة كلها، وانهيارها، لا سمح الله، هو انهيار لها، وكذلك فإنه كان لابد من أن تتخذ السعودية، ومعها الأردن والإمارات والكويت والبحرين، هذا الموقف الشجاع الذي اتخذته تجاه الأزمة السورية، التي مما زاد خطورتها وتهديدها أن دمشق أصبحت عاصمة إيرانية، وأن سورية غدت محمية روسية، وأن عاصمة الأمويين باتت معسكر زندقة للميليشيات المذهبية القادمة من ضاحية بيروت الجنوبية ومن العراق للأسف ومن اليمن... ومن كلِّ حدب وصوب.

لأكثر من عام ونصف بقي العرب ينتظرون حلاً سلمياً للأزمة السورية، وعلى مدى كل هذه الفترة تواصل ذبح الشعب السوري بطريقة همجية غير مسبوقة، وتواصل تعطيل المجتمع الدولي، مجلس الأمن تحديداً، من قبل روسيا القيصرية والصين، التي يبدو أنها قد غيرت مسارها السابق، ولم تعد لا شعبية ولا السند الرئيسي لحركات التحرر في العالم بأسره، وكل هذا وقد بات مؤكداً أن إيران تمادت أكثر من اللزوم، وأنها تريد سورية منطلقاً لها في اتجاه الجنوب، لاستعادة ما تعتبره أمجاد فارس القديمة، والوصول إلى مصر، وإلى كل دول شمالي إفريقيا العربية.

ولهذا ولأن كل الحلول العربية، التي بدأت بالدابي، وانتهت بغيره، قد فشلت فشلاً ذريعاً، ولأن كل الحلول الدولية انتهت إلى مصير أسوأ من مصير الحلول العربية، ولأن نظام بشار الأسد، مدعوماً بروسيا وإيران قد استغل "الميوعة" الأميركية و"التراجع" الأوروبي، وذهب بعيداً في ذبح الشعب السوري وبدوافع مذهبية انتقامية، ولأن تمزق سورية سيكون مدخلاً لتشرذم وتمزق المنطقة كلها فإنه كان من الضروري أن تتدخل السعودية بكل ثقلها لتعيد تنظيم صفوف المعارضة السورية، ولدعم الجيش السوري الحر، ولتبلور كتلة إقليمية في مواجهة الكتلة الإيرانية-الروسية، التي أصبحت صاحبة القرار في دمشق، والتي غدت هذه الحرب المدمرة حربها، بالسلاح والأموال والمقاتلين والخبراء والمواقف السياسية.

وهكذا، ولأن ترك مصر لتواجه مؤامرة الإخوان المسلمين، التي ستكشف الأيام أن أصابع الإيرانيين غير بعيدة عنها، وأن دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لاتزال لها حسابات خاطئة تجاهها، فقد كان لابد من أن تتحرك السعودية لتقوم مجدداً بدورها التاريخي الذي بقيت تلعبه في كل المنعطفات التاريخية التي واجهتها هذه المنطقة، ثم ولأن الأزمة السورية تجاوزت كل الحدود وتحولت في ضوء التدخلات الإيرانية والروسية المتصاعدة، وفي ضوء تحولها إلى حرب طائفية ومذهبية واضحة كل الوضوح فإنه كان "لابد مما ليس منه بد"، ولابد من تدخل سعودي فاعل لمنع الجدار العربي من الانهيار، ومواجهة مؤامرة لم يعد هناك أي شك في استهدافها لحاضر العرب ومستقبلهم.