مسرحكم عامر يا كويت
حين تعرفت على السيدة فارعة السقاف، مؤسسة ورئيسة مؤسسة لوياك غير الربحية، كنت أعرف أنها تعنى بتدريب وتنمية طاقات الشباب، كإجراء مجتمعي وقائي لحمايته من الوقوع في العنف عبر منهج وافر ومتعدد الأجنحة، لكن ما لم أتوقعه هو أن مسرحاً سيخرج من تحت هذه الأجنحة ويسرق ألبابنا، ويحلق بنا في تلك الليلة، والذي حضرناه أوائل أبريل الجاري.حرصت الصديقة فارعة أن يكون وقت حضوري لتقديم ورشة عمل تدريبية عن الكتابة في "لوياك" متوافقاً مع يوميّ عرض مسرحية الخيزران، التي يقدمها طلبة "لوياك" على خشبة مسرح متحف الكويت الوطني. وقد حضرت اليومين وشاهدت المسرحية من موقعين؛ الأول من مقاعد المسرح مع المتفرجين والآخر في غرفة الكنترول، شاهدت فيه كيف يعيش فريق الإعداد توتره في كل دقيقة كانت تمر بكل التفاصيل الحارقة.
"الخيزران"، قصة من العصر العباسي عن جارية يمنية سبيت، وجيء بها إلى بغداد فأصبحت زوجة للخليفة المهدي، وأماً بعد ذلك لخليفتين هما موسى الهادي وهارون الرشيد، قصة تجلى فيها الحب والصراع على السلطة والحكمة والشعر. ياللمفاجأة، "لوياك" قدمت مسرحاً من الطراز الرفيع، ليس مسرحياً تتشابك فيه المشاهد بحرفية عالية فحسب، وليس بحوار رفيع اللغة أنيق الكلمة فحسب، بل مسرحاً استعراضياً فيه غناء ورقص وأزياء، مسرحاً ثرياً قاده باحتراف المخرج البولندي العراقي رسول الصغير، الذي وضع خبرته التي اكتسبها من بولندا بين يدي شباب يقفون لأول مرة على المسرح، دون مايكرفون ودون "بلاي باك". وقف الشباب أمام الجمهور ومثلوا وغنوا ورقصوا. والنتيجة كانت دهشة عارمة، وجبة رائعة أسعدت الجمهور بالحوار المحبوك وبالصراع المشدود في عقده، وبالإيقاع المتناغم الذي لا يطول ولا يقصر. المتعة التي قدمتها مسرحية الخيزران تتأكد عند المشاهد حين تنتهي الساعة والربع فيشعر حين ينسحب الممثلون من المسرح في اللحظة الأخيرة أنهم فروا من بين يديه وسرقوا معهم قلبه فيتمنى لو يعيدوه إليه.فاجأني أن "مسرحية الخيزران" التي ودعتنا في عرضها الرابع ستعود أدراجها وتنام هناك، وأن أيام العرض بعد كل هذا الجهد والمال المبذول لن تزيد على أربعة أيام. بعد كل هذا الجهد ستنام مسرحية الخيزران فيما ستظل المسرحيات التجارية العارمة بالصراخ والخفة والهشاشة تقدم على مسارح الكويت كنموذج واحد للمسرح الكويتي، وكل هذا بسبب عدم قدرة المسرحية على تكبد تكاليف أيام عرض أخرى، وبهذا سيخسر جمهور الكويت فرصة أن يعرف أن على مسرح الكويت الوطني ولد مسرح استعراضي جديد على يد سيدة احتضنته بحب وأخرجته بعد كد وتعب. مسرح يجمع بين جماليات رقص فرقة كاركلا بفضل الاستعانة بالمدرب الفونغرافي إبراهيم مزنر، وروح قصة تاريخية تشبة مسرح الرحباني.حري بهذا المسرح أن يدعم ويحاط بكل الرعاية والدعم. وهنا يجب أن أشيد بدعم شركة داو للكيماويات التي تقدم دعماً سخياً لهذه المسرحية، ولولا دعمها ما ظهرت "الخيزران"، والبلاد التي تضم مسرحاً كهذا المسرح تستحق التحية الحارة. مسرحكم عامر يا كويت.