أراد الشيخ سيد مكاوي أن يختبر أولاً مهارته في العزف على العود، فما إن انتهى من عزفه حتى صفق جمهور الحضور بحرارة بالغة، طمأنت الشيخ سيد على مهارته كعازف، أدرك تلك اللحظة أنه على الطريق الصحيح، وأن النجاح بات في متناول اليد. لم يعد إلا أن يطمئن على صوته كمغنٍ، فحلم حياته حتى تلك اللحظة كان يتمثل في إجادة الغناء واحترافه، لذلك ما إن هدأت عاصفة تصفيق الجمهور المبهور بعزفه، حتى بدأ في إلقاء كلمات {قدك أمير الأغصان}، نُظم إسماعيل باشا صبري، ألحان عبده الحامولي، من مقام {حجاز كار}:

Ad

المذهب

قدك أمير الأغصان... من غير مكابر

وورد خدك سلطان... على الأزاهر

دا الحب كله أشجان... يا قلبي حاذر

والصد ويا الهجران... جزا المكابر

الدور

يا قلبى آدي أنت حبيت... ورجعت تندم

وصبحت تشكي ما رأيت... لك حد يرحم

صدقت قولي ورأيت... ذل المتيم

ياما نصحتك ونهيت... لو كنت تفهم

أعرض لحسنك أوراق وأكتب وأدَوِّن

وَابات صريع الأَشواق وأحسب وأخمّن

دا هجر وصبابة وفِراق يا رب هوّن

وارحم قلوب العشّاق دا شيء يجنن

في أول لقاء مباشر مع جمهور المستمعين، لم يصدق الشيخ سيد أذنيه، تصفيق وتهليل وكلمات ثناء لم يسمعها سابقاً، فقد اعتاد أن يثني عليه الحضور في الليالي التي يتلو فيها القرآن، يهللون ويكبرون، غير أنه لم يعتد الاحتفاء به بهذا الشكل. حتى إنه ظل واجماً لا ينطق من شدة المفاجأة، فاقترب منه محمود رأفت:

= إيه يا شيخ سيد... الناس بتحييك... رد التحية.

* كل دا علشاني أنا.

= أمال علشاني أنا... قوم حيي الناس.

كان من بين الحضور الكبير عدد من أهالي حي الناصرية، من بينهم إبراهيم عطا الله صديق الشيخ سيد، الذي لطالما اصطحبه إلى كثير من الليالي التي شارك فيها الشيخ سيد كمقرئ للقرآن الكريم، فاقترب منه وأمسك بيده:

= أحسنت يا شيخ سيد.

* الله يكرمك يا سيدي.

= أنت سبت قراءة القرآن وبقيت تغني في الأفراح يا شيخ سيد؟!

* مين اللي بيتكلم.

= مش عارفني... أنا إبراهيم عطا الله.  

ما إن سمع الشيخ سيد اسم صديقه القديم حتى أسقط في يده، لم يكن يتوقع أن يراه أحد من أهالي الحارة، ليس تبرؤا من الغناء، لكن كان يريد أن يمهد لهم الأمر بطريقته الخاصة، لم يكن يريد أن يعرف أهالي المنطقة ما يقوم به خارج الحي، وأنه بدأ بالفعل احتراف الغناء، حتى ولو في إطار ضيق، حتى لا يتخذوا ضده أحكاماً مسبقة، وتكون باتة لا رجعة فيها، لذا أراد أن يرجئ ذلك للوقت الذي يراه مناسباً، ربما بعد أن يطمئن على صوته وإجادته الغناء.

موقف من الغناء

على رغم ما لحي «عابدين» من خصوصية في حب الموسيقى والغناء، خصوصاً الغناء الطربي، وعلى رغم ما لهذا الحي من خصوصية في خروج عدد كبير من المطربين والموسيقيين والأدباء والشعراء منه، وعلى رغم أن أهله جميعاً، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، وحتى الباعة الجائلين، يغنون ليل نهار، وفي المناسبات كافة. على رغم ذلك كله فإنهم يتخذون موقفاًَ حاداً من كل الذين لهم علاقة بالغناء والموسيقى والتمثيل، إذا ما تعلق الأمر بصلة قرابة أو مصاهرة، أو حتى دخول بيوتهم.

كل هذه الأسباب جعلت الشيخ سيد يقف وكأن على رأسه الطير، عندما اقترب منه صديقه إبراهيم في نهاية العرس، وصافحه وهو يسأله: «أنت بتغني يا شيخ سيد؟!»، فهو يعلم سبب السؤال وتبعاته، وقد كان، فقبل أن يصل الشيخ سيد بيته، كان الخبر يملأ الناصرية بأكملها:

الشيخ سيد ابن محمد مكاوي.. الله يرحمه، بقى بيغني وبيشتغل مع «العوالم».

تأكد الشيخ سيد أن الخبر انتشر كالنار في الهشيم ولم يترك بيتا في الحي كله إلا وعلم من فيه بالخبر الجديد، عندها عرف أن الخبر وصل لأمه:

= إيه الكلام اللي الناس بتقوله في الحتة دا يا شيخ سيد؟!

* كلام إيه يا أمي خير؟!

= بيقولوا إن أنت بقيت «مغنواتي»... بتغني يعني.

* يا سلام ودي مفاجأة بالنسبة لك... ما أنت عارفه أني بغني.

= أيوا عارفة أنك بتحب المغنى والموسيقى..وأنا بنفسي اللي اشتريت لك الغرامفون والأسطوانات... علشان حاجة بتحبها وكانت في نفسك.

* طب الحمد لله آديكِ قولتي بلسانك... حاجة بحبها وفي نفسي.. إيه المشكلة بقى؟!

= مشكلة؟! دي مصيبة مش مشكلة... أنت بتقول إيه؟ تشغل مغنواتي وتطلع عليك سمعة أنك بتشتغل مع العوالم... الناس هتاكل وشنا وتبعد عنك... لا حد هيرضى يدخلك بيته تاني... ولا يحط أيده في أيدك ويناسبك.

* هي دي المشكلة... النسب. طب يا ستي أنا ما بفكرش في الجواز خالص دلوقت... لسه بدري.

= يا سيدي عنك ما أتجوزت... أنت حر... المصيبة اللي هتحط على دماغنا لو الناس بعدت عنك وخدت منك جنب... هتشتغل أزاي... ماحدش هيرضى يجيبك تقرأ قرآن تاني... وأنا وأنت وأخواتك عايشين من تلاوتك للقرآن... هنعمل إيه؟

* وأنت الصادقة يا أمي... الناس كلها عايشة بفضل القرآن الكريم... وربنا ما بينساش حد. هو اللي بيرزق... لو الناس هي اللي بترزق بعضها كان تلات أرباع البشر ماتوا من الجوع، يا أمي أنت ست مؤمنة وبتصلي وعارفه ربنا... ما تخليش كلام زي دا يفقدك ثقتنا بالله.

= ونعمة بالله يا بني.

* وبعدين ما أنت عارفة إن الغنا دا حلم حياتي... صحيح قراية القرآن نعمة وشرف. بس أنا ربنا أنعم عليّ بنعمة تانية... أرفضها؟! ربنا زي ما أنعم عليّ بنعمة حفظ القرآن وقرايته، أنعم عليّ بالمزيكا.

= وهي المزيكا نعمة؟

* أيّ موهبة ربنا بيديها للبني آدم نعمة... وبعدين علشان تبقى عارفة... تلات أرباع اللي بيغنوا وبيعملوا مزيكا في الأصل مشايخ وبيقروا قرآن كريم، عبد الحي حلمي، إبراهيم سكر، سلامة حجازي، وسيد درويش، وغيرهم كتير... حتى الشيخ محمد رفعت ربنا يديله الصحة والعمر... غنى هو كمان... الغنا والموسيقى لا هم عيب ولا حرام.

= يعني أنت هتعرف أحسن من كل الناس اللي شايفنها عيب وحرام.

* عارفة يا أمي... أنا جوايا مزيكا... لو خرجت هتخلي الدنيا كلها تغني وترقص.

= وكمان رقص! يا فضيحتنا في الحتة.

على رغم أن الوالدة اضطرت إلى قبول الأمر الواقع، فإن الشيخ سيد لم يستطع أن يقنعها، وبالتالي لم يكن ليستطيع أن يقنع أهالي الحي، فما إن انتشر خبر غنائه، حتى اتخذ الجميع منه موقفاً، باستثناء عدد قليل من أصدقائه، إضافة إلى عم مسعود بائع الحلوى، فقد كره أهل الحي منه هذا وهم الذين أعتادوا عليه قارئاً لكتاب الله، فانفضوا من حوله ورفضوا التغير الجديد الطارئ على شخص الشيخ سيد، وانصرفوا عن دعوته إلى إحياء المناسبات الدينية في بيوتهم، وهو ما تكشف لصديق سيد؛ عم مسعود:

= الله يبارك فيك يا عم مسعود... عقبال أنجالك.

- وبمشيئة الرحمن هتعمل الليلة فين... فوق السطوح عندك... ولا في الشارع؟

= لا شارع إيه... السطوح كبير ويساع من الحبايب ألف... والبيت بيتنا لا حد طالع علينا ولا نازل.

- ربنا يوسع عليك. جايب بقى منشدين ومشايخ كتير.

= أبداً... هم تلاته... اتنين منشدين ومقرئ.

- المقرئ دا طبعا ابننا الشيخ سيد مكاوي.

= أنت ترضاهالي برضه يا عم مسعود... أنت عايز الناس تأكل وشي.

- ليه يا بني كفى الله الشر... الشيخ سيد ابننا وأحنا مربيينه وعارفين أخلاقة وعارفين أبوه الله يرحمه.

= كان يا عم مسعود... كان... دلوقت الشيخ سيد خلاص...عرف طريق العوالم والمغنى واستغفر الله العظيم... الرقص.

- مين قال الكلام دا... كل الحكاية أنه جنب أناشيد المديح اللي بيقولها... بيقول كمان قصايد لشعرا كبار زي بديع خيري وأحمد شوقي وأحمد رامي وبيرم التونسي.. ودول ناس أحنا بنحبهم برضه.

= ما تآخذنيش يا عم مسعود... دا مش كلامي... دا كلام الحتة كلها.

 

عالم السينما

لم يفلح كلام عم مسعود، أو حتى كلام الشيخ سيد نفسه، كما لم يشفع له تاريخه معهم أو تاريخ والده وجده، باعتبارهما من مؤسسي الحي، فقل دخل الشيخ سيد بعدما انصرف عنه الأهالي، وتحول بين ليلة وضحاها إلى منبوذ، وعاد من جديد يعاني الحرمان والجوع والفقر.

ترك هذا الموضوع أثراً سيئاً في نفس الشيخ سيد، غير أنه لم يثنه عن مواصلة مشواره مع الموسيقى والغناء، وإن كان كل ما غيره فيه، أنه بعد اليوم الذي شاهده إبراهيم في الحفلة، قرر أن يضع فوق عينيه «نظارة سوداء» ظناً منه أنه بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد:

= تعرف إنها حلوة يا شيخ سيد فكرة النظارة دي.

* البركة فيك يا أبو حنفي... بقيت بتختار لي حاجات كتير...والله الواحد من غيرك مش عارف كان يعمل إيه.

= يا عم سيد عيب الكلام دا... أحنا إخوة... بس قوللي... إيه اللي فكرك دلوقت تلبس نضارة؟!

* لسببين... الأول علشان بحس أن الناس بتبص ف عنيا...وأنا مش عايزهم يشوفوا اللي أنا مش عايزهم يشوفوه... تعرف أني بحس بخجل لما أشعر أن حد بيبص في عنيا... كأنه عايز يشوف العينين المفتحين دول ما بيشوفوش إزاي.

= دا السبب الأول... السبب التاني إيه.

* علشان لو الأخ إبراهيم شافني تاني في أي حته ما يروحش يعمل فضيحة (يضحك).

= طب بالمناسبة دي. إيه رأيك لو تيجي تشوف معانا فيلم سينما.

صمت الشيخ سيد مكاوي، غير أن ملامح وجهه لم تتغير بل ظلت من دون انفعال، لكن إسماعيل رأفت أدرك أنه قد وقع في خطأ عندما عرض على الشيخ سيد أن «يشاهد» معه فيلماً سينمائياً، ناسياً أنه كفيف لا يرى:

= أنا آسف والله يا شيخ سيد ما خدتش بالي. اعذرني... بس أنت السبب... لأني عمري ماحسيت يعني إنك كفيف... علشان كدا بتعامل معاك طول الوقت إنك طبيعي زينا.

* وحد قالك إني شاذ يا أخينا... ما أنا طبيعي أكتر منك... أنا بس سكت مندهش. لأني ساعات بحس إنك بتقرأ أفكاري وتحس بيها... فعلا أنا كان نفسي أدخل السينما... خصوصاً لما عرفت أن الآنسة أم كلثوم لها فيلم جديد.

= لا بقى دا أنت اللي مكشوف عنك الحجاب يا شيخ سيد لأني فعلا كنت هكلمك عن فيلم «عايدة» بتاع أم كلثوم... لأن مخرجه صديقي اسمه أحمد بدرخان... وهو اللي عازمنا على الفيلم.

دخل الشيخ سيد مكاوي السينما للمرة الأولى ليشاهد فيلم أم كلثوم الجديد «عايدة» للمخرج أحمد بدرخان، والذي غنت فيه ما يقرب من ثماني أغنيات، أربع منها من ألحان الشيخ زكريا أحمد هي: «القطن فتح»، و{فضل لي إيه يا زماني»، و{يا فرحة الأحباب» من كلمات شاعر الشباب أحمد رامي، و{كل الأحبة اتنين اتنين» من كلمات بيرم التونسي، وأربع أخرى كتبها رامي ووضع ألحانها محمد القصبجي هي: «أحنا وحدنا»، وأوبريت «عايدة»، و{عطف حبيبي وهناني»، و{بكره السفر» ليخرج الشيخ سيد من دار العرض، كالطفل في ليلة العيد، وما إن التقى مخرج الفيلم أحمد بدرخان حتى احتضنه وقبله:

* أنا أول مرة أشوف فيلم بالروعة والجمال دا.

- إيه!! أشكرك جداً. أشكرك. هو حضرتك بتـشـ...

* أيوا... بـ... بشوف بودني.

تدخل محمود رأفت في الحوار قائلاً:

 = نسيت أعرفكم ببعض... دا الأستاذ أحمد بدرخان المخرج السينمائي الكبير... ودا صديقي المطرب الشيخ سيد مكاوي.

- أهلا وسهلا... أهلا وسهلا... اتشرفت يا شيخ سيد.

* الشرف ليا أنا يا أستاذ أحمد. حاجة مشرفة وعظيمة أن يكون عندنا مخرجين مصريين بالبراعة دي..والمستوى الرائع دا.

- أنا بس كنت عايز أسألك يا شيخ سيد... قدرت تحكم إزاي على الفيلم وأنت ما تآخذنيش يعني.  

* كفيف؟! على فكرة المسألة دي لا تمثل لي أي مشكلة أو حساسية. يعني خد راحتك... أما مسألة الفيلم، فأنا سميع إذاعي قديم... والإذاعة بالنسبة لكل الناس بالظبط زي الكفيف لما يدخل سينما... الإذاعة بتنمي الخيال، وأنا عشت مع الفيلم بخيالي، وكنت مع كل حركة وسكنة، دا طبعاً غير الأغاني والألحان وموضعها. فعلا شيء عظيم.

شهدت هذه الليلة مولد صداقة حقيقية بين الشيخ سيد مكاوي والمخرج أحمد بدرخان، ربما أكثر من صديقيه الأساسيين، إسماعيل ومحمود رأفت، خصوصاً بعدما استمع بدرخان لصوت الشيخ «سيد»، وشاهد عزفه على العود، وأيقن أنه أمام موهبة غير عادية، تنتظر فرصة حقيقية لتتفجر كل طاقاتها، فأصبح الصديقان لا يفترقان، فلا يمر يوم من دون أن يلتقيا، ويتحدثا في كل شيء في الفن والموسيقى والسينما.   

اللقاء المرتقب

بمرور الوقت تكونت لدى الشيخ سيد حصيلة كبيرة جداً من الاستماع اليومي، لذلك بدأت تلح عليه خواطر موسيقية، يمكن أن ينفذها في لحظة ولادتها في رأسه، غير أنه يصعب عليه استعادتها بنفس المقام، الأمر الذي سبب له ضيقاً شديداً، خصوصاً أن الأفكار تتدافع وتفور في داخله، فضلاً عن أنه لا يعرف الاتجاه الذي يسير فيه، فهو منفتح على كل المدارس الموسيقية، وكل منها لها اتجاهاتها وأصولها المأخوذة عن روادها الذين وضعوها، حتى شاءت الأقدار ودعي إلى إحدى الحفلات الضخمة عبر الأخوين رأفت، أقامها شوكت باشا عمران، بمناسبة عيد الأضحى كعادته كل عام، حيث اعتاد أن يدعو عدداً من المنشدين والمداحين، إلى جانب عدد من المطربين والمطربات من بينهم: مطربة القطرين فتحية أحمد، ونجاة علي، وسيد مصطفي، وصالح عبد الحي، ومحمد عبد المطلب، وأرجأ الإعلان عن نجم الحفلة لحين وصوله، فقرر الشيخ سيد مكاوي أن يعلن عن وجوده وسط كل هؤلاء، وأن يغني {يا فرحة الأحباب} التي غنتها أم كلثوم في فيلم {عايدة}، من نظم أحمد رامي، ألحان الشيخ زكريا أحمد:

مذهب

يا فرحة الأحباب... بالأنس لما طاب

غصن أول

حبيت أقدم للأحباب أجمل هدية يوم العيد

رحت أقطف الورد الجذاب

اللي يكون في الحسن فريد

من كل صحبة قالتلي وردة

خدني أهني يوم العيد

يا فرحة الأحباب .. بالأنس لما طاب

غصن تاني

فضلنا نحسب في الأيام

والشوق يطول على المستني

لما وفينا ومر العام جينا نبارك ونهني

وفي كل مهجة للفرح منجي

فيها دليل على أنس العيد

"غصن ثالث”

يا فرحة الأحباب... بالأنس لما طاب

فاتت سنة في هنا ونعيم

واتحققت فيها الأحلام

يا رب خللي النعمة تدوم تروق لنا وتحلى الأيام

ويعود صفانا ساعة لقانا

نتهنى تاني يوم العيد

يا فرحة الأحباب... بالأنس لما طاب

غصن رابع

يا هنانا باجتماع الشمل تاني

لما تتحقق لنا كل الأماني

يومها يتبسم لنا ثغر الأماني

والقلوب تفرح وتتهنى العيون

ويعود صفانا ساعة لقانا

نتهنى تاني يوم العيد

يا فرحة الأحباب... بالأنس لما طاب

ما إن انتهى الشيخ سيد حتى ضج الجميع بالتصفيق لوقت طويل، أدهش المطربين والمنشدين الذين حضروا، وجلسوا في انتظار دورهم في الغناء، فقد جرت العادة في أي حفل كبير، أن يغني صغار المطربين والمنشدين أولا، ليؤهلوا الجمهور، ثم يبدأ الكبار، غير أن غناء هذا الشاب الكفيف، صغير السن، نحيل القوام، الشيخ سيد مكاوي وضع الكثيرين منهم في حرج حقيقي، باستثناء عدد قليل منهم، ومن بينهم نجم حفل الليلة:

= عرفت مين نجم حفلة الليلة يا شيخ سيد.

* طبعا... ودي عايزة مفهومية أو تفكير... الشيخ سيد مكاوي طبعاً.

= هاهاها... طبعا مافيش كلام.. بس صحيح عرفت مين هو؟

* ما تقول يا سيدي ولا عايزني أكررها لك تاني.

= الشيخ زكريا أحمد.

* معقولة!!

= أيوا معقول.

* ربنا دا عظيم وكبير وبيدبر الأمر بمعرفته.. يعني أنا هيسعدني زماني وهسمع الشيخ زكريا أحمد بشكل مباشر كدا مش على أسطوانة... أنا مش مصدق نفسي.

= أمال لو عرفت اللي حصل.. ممكن تطب ساكت.

* إيه اللي حصل يلا خلينا نخلص.

= الشيخ زكريا أحمد جه في نص الأغنية اللي كنت بتغنيها... وقعد وسمعك.

* يا دي الكسوف. دا مش بس غنيت أغنية الراجل من غير ما أستأذنه. دا كمان لعبت في المقام... دلوقت يقول عليّ إيه؟!

= دا مش بس كدا... دا كمان طلب يشوفك ويقعد معاك بعد ما يخلص.

* لا... أنت كدا عايز تخلص عليّ النهاردة يا أبو السباع!

كان على الشيخ سيد أن ينتظر عدداً من المطربين والمنشدين ليصل إلى الفقرة الأخيرة في الاحتفال، لكنه لم يكن يهتم بما يلقى على أسماعه من أغان وألحان، كان في عالم آخر ينتظر بفارغ الصبر اللقاء المنتظر.

(البقية في الحلقة المقبلة)