كيف تقرأ خريطة الوطن العربي راهناً مع الاتجاه نحو التطرف؟

Ad

أعتقد أن التطرف غالب وواضح على المشهد الراهن، على رغم الحديث المتواصل عن أن الإسلام دين تسامح. التطرف في تقديري هو أن يتحول صاحب العقيدة أو العرق أو القبيلة إلى معادٍ ومحارب لمخالفيه، ونجده في العراق في شكل الصراع المحتدم بين السُنة والشيعة، كذلك وفي المغرب ثمة مشكلة الأمازيغ. في الخليج، تحديداً في البحرين، نجد اشتعال الصراع بين السنة والشيعة. أما في مصر، فيتجلى التطرف في المشكلة المزمنة بين المسلمين والأقباط، منذ بداية القرن الماضي. بدأت الخطة العالمية لتقسيم العالم العربي على أسس عرقية وطائفية، وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو في الأساس مشروع إسرائيلي يستهدف تفتيت البلاد العربية كافة إلى وحدات صغيرة، لتكون إسرائيل أكبر دولة صغيرة.

اليمين واليسار

إلى أي درجة يعتبر التطرف دخيلاً على الشخصية العربية؟

إذا أخذنا مصر نموذجاً، نستطيع القول إن المصري إنسان وسطي معتدل لا يميل يميناً أو يساراً، وهذا أحد أسباب عدم نجاح الحركات المتطرفة أو المرشحة للتطرف على مدى التاريخ. مثلاً، بدأت الحركة الشيوعية إبان ثورة 1919 وكونت حوالى 24 حزباً وتنظيماً. كذلك جماعة {الإخوان المسلمين} بدأت كما هو متعارف تاريخياً 1928، ولم تنجح أي من الجماعتين في استقطاب عموم المصريين أو حتى تكوين رأي عام غالب، لأنها تتطرف يمنياً أو يساراً. وعلى رغم الاختلاف الجذري في الأفكار والتوجهات بين {الإخوان} و{الشيوعيين} فقد اجتمعا ضد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، لأنه كان يمثل الوسط ويريد تطبيق العدالة الاجتماعية بعيداً عن المفهوم الماركسي، أو أطروحات {الإخوان} التي تحمل مفاهيم أهل الذمة بالنسبة للأقباط.

إلى أي درجة يمكن اعتبار الظلم الاجتماعي أو الفقر مؤثراً في دعم التطرف؟

الظلم الاجتماعي هو الأب الروحي للتطرف بلا جدال، فكلما كان الشخص مظلوماً ومقهوراً اجتماعياً ولا يحصل على حقوقه في بلده، كان استقطابه سهلاً وإقناعه باتخاذ المسار العنيف للحصول على ما يريد، ويتم تغليف ذلك بالمسميات الدينية أو غيرها.

هل التطرف أو العنف وليد هذا العصر؟

التطرف بمعنى العدوان على الآخر، في التاريخ الحديث، يبدأ دائماً ضد المحتل الأجنبي وغالباً ينتهي بتوجيهه داخلياً. في مصر عندما جاءت الحملة الفرنسية، اُستخدم العنف ضد جنود الحملة، كذلك مع الإنكليز، وهذا يعتبر مقاومة للمحتل، وفيما يخص التطرف الديني فابن رشد له عبارة شهيرة يقول فيها: {إذا أردت أن تسيطر على الإنسان الجاهل فقل له ما تريد مغلفاً بالدين}.

هل استخدام الدين في تحقيق المكاسب السياسية نوع من التطرف؟

لا شك في ذلك، لأنه يقسم الوطن إلى فريقين. أول من بدأ عملية زرع الفتنة في الوطن العربي عموماً ومصر خصوصاً هم الإنكليز الذين تأثروا بخبرتهم الاستعمارية في الهند، المليئة بالإثنيات والعرقيات والطوائف المختلفة. حتى إن المندوب البريطاني اللورد كرومر جاء إلى مصر قادماً من الهند. كانت لعبة الطائفية هي المفضلة لديهم، وتبدأ بتقوية الذات الدينية لكل طرف ويتدخل المحتل لفض الاشتباكات.

ما أبرز الحركات الناجمة عن تغذية الطائفية إبان الاحتلال الإنكليزي لمصر؟

في أعقاب حديث حسن البنا عن تأسيس الحكومة الإسلامية بعد إنشائه جماعة {الإخوان المسلمين}، دعا المحامي القبطي إبراهيم هلال إلى تأسيس تيار {الأمة القبطية} في مواجهته في حقبة الأربعينيات.

استخدام الدين

لكن أين كانت القوى التقدمية أو السياسية في مواجهة هذه الفتن؟

انتبه الإنكليز أثناء اندلاع ثورة 1919 لطلب الاستقلال، إلى أن ثمة بعداً اجتماعياً يتمثل في مهاجمة المتظاهرين والغاضبين لقصور كبار الملاك، وعندما شعروا بتأثير الحركة الشيوعية على بعض الفاعلين في أحداث الثورة، وذلك بعد أقل من عامين من الثورة الشيوعية 1917 في روسيا، ارتعب الإنكليز فاستخدموا الدين لمنع تطور بعد الثورة الاجتماعي وحفاظاً على بريطانيا العظمى، فبعثوا رسالة باسم مسلم من الهند إلى مفتي الديار المصرية في حينها الشيخ محمد بخيت، عن حكم الدين في {البلشفية}، فرد الرجل بأنها ضد الأديان السماوية والدين الإسلامي خصوصاً. فما كان من اليساريين إلا أن أصدروا بياناً بعنوان {خدعوك يا بخيت} وعددوا فيه التشابهات والمقاربات بين الاشتراكية والإسلام في مبادئ العدل والمساواة وغيرها. وأثناء وضع دستور 1923، تقدم الشيخ بخيت بعد جلسات عدة باقتراح مفاجئ للأعضاء بالنص على أن الإسلام دين الدولة، وتم وضعها تحت رقم 149 في مواد الدستور، وألمح الإنكليز للأقباط بالمطالبة بنسبة في البرلمان وبحصة تمثيل في الوظائف العامة بنسبة 1 من 12، ورفض عقلاء الأقباط مثل سلامة موسى وويصا واصف هذا الفخ لإدراكهم أنه وحتى بعد حصولهم على النسبة سيظلون أقلية.

هل ثمة شواهد تاريخية على استخدام {الإخوان المسلمين} أو اليسار للعنف؟

لم يستخدم اليسار خلال تاريخه في مصر العنف، لكن العنف استُخدم ضده. في مرحلة الدعوة بالفكر من دون قهر، كان اليسار يخطب في العمّال المضارين من سطوة أصحاب المال الذين ينظرون إلى الربح فحسب، فكانت الدعوة الماركسية تنتصر للعمَّال، وكانت القوة هي السبيل لنشر تلك الفكرة إبان الثورة الروسية 1917. على الجانب الإخواني، استمرت الدعوة من 1928 وحتى 1933 وأنشأت مؤسسات مكتب الإرشاد وشورى الجماعة والجوالة، وبُنيت كيانات مؤسسية لتمكين الدعوة، وبدأ العنف مع إنشاء {التنظيم الخاص} عام 1934 كجزء من جوالة الإخوان، وكان المنتمون إليه يرتدون الزي {الكاكي}، وكان حسن البنا يحاكي الأحزاب العالمية كالفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، بينما حزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين كان يخصص القميص الأخضر لشبابه، ما دعا الأحزاب البرلمانية المعروفة مثل {الوفد} إلى اختيار اللون الأزرق لشبابه، وكانت مهمة كل مجموعة تعكير صفو اجتماعات أو فعاليات الطرف الآخر.

هل ارتبطت نشأة العنف لدى جماعات الإسلام السياسي بمقاومة الاحتلال؟

جماعة الإخوان، باعتبارها أقدم هذه الجماعات تاريخياً وأكبرها تنظيمياً في الوطن العربي، كانت في نشأتها على علاقة مع الإنكليز المحتلين لمصر عن طريق مؤسس الجماعة حسن البنا، كذلك كان الأخير على علاقة بالملك والذي كان يستخدم الجماعة ضد شعبية حزب {الوفد}. كان أول احتكاك للإخوان مع السلطة في انتخابات البرلمان عام 1942، ورشح حسن البنا نفسه في دائرة الإسماعيلية وكان موجوداً في القاهرة، واستدعاه مصطفى النحاس زعيم {الوفد} وطلب منه أن يسحب اسمه من أسماء الترشيح، فناقشه البنا عن الديمقراطية، وبعد حوار طويل اتفقا على الانسحاب من الانتخابات بشرط أن يَعده النحاس بتطبيق الشريعة الإسلامية، فقال له النحاس باشا: {إن شاء الله}. وانتهى الأمر.

متى بدأ تأصيل الأفكار المتشددة للإخوان؟

في 6 مايو 1948 قبل حرب فلسطين وضع حسن البنا لائحة الجماعة وحدد أهدافها، وكانت تهدف إلى إقامة الفرد المسلم والمرأة المسلمة والأسرة المسلمة في الحكم الإسلامي واستعانوا بتعبير {الوطن السليب} ويُقصد به الأندلس، التي كانت تحت الحكم الأموي، و}البلقان} التي كانت تحت الحكم العثماني. وكان ذلك كله معبراً عن توجه الجماعة إلى فكرة الأمة الإسلامية، في وقت كانت مساعي تأسيس الجامعة العربية بدأت في الظهور، وعندما سُئل البنا عن موقفه من الجامعة العربية بعد تشكيلها قال: {نقبلها على أساس أنها خطوة لتوحيد الأمة الإسلامية}.

بداية العنف الإخواني

كيف بدأ استخدام العنف من جماعة الإخوان داخل مصر؟

عندما كانت الحركة الوطنية مشتعلة بقيادة القوى اليسارية وشباب الجامعات عام 1946، في مواجهة رفض حكومة بريطانيا المحتلة لمصر آنذاك البدء في التفاوض على الجلاء بعد مرور 10 سنوات على معاهدة 1936، واستمر نضال المصريين ضد الاحتلال حتى جاءت حرب 1948 وحرب فلسطين. بدأ شباب الإخوان المشاركة في الحركة والاشتباك مع قوات الشرطة التي كانت تعتقلهم، وحكم عليهم المستشار الخازندار بالسجن فقتلوه، وبدا واضحاً أن الجماعة اتخذت مسار العنف للدفاع عن المصير. وأمر النقراشي باشا، رئيس الحكومة حينها، بحل جماعة {الإخوان المسلمين} وإغلاق مكتبها العام، فرد الإخوان باغتياله. واستمر مسلسل العنف إلى أن اغتيل مرشد الجماعة ومؤسسها حسن البنا في فبراير 1948، وواصل التنظيم الخاص للجماعة عمله وتدريباته على استخدام السلاح في أماكن بعيدة وصحراوية، واعتقدت قيادات الإخوان حينها أنه لا يمكن تحقيق الهدف إلا بالقوة، لأن مرحلة الدعوة كانت قد مرت من دون فائدة.

كيف تفسر نجاح الإخوان في استقطاب شباب نحو التطرف وتوجيههم إلى الصراع الداخلي في حين أن البلد كان محتلاً وتتوجب مقاومة الإنكليز؟

إذا أردت أن تخرج بالفقير الذي يعاني في مثل هذه الظروف فعليك أن تستقطبه دينياً، واعتمد الإخوان على فكرة {تكفير الحكومة} وترويج ذلك للشباب، مؤكدين لهم أنهم لن يأخذوا حقهم إلا بالدين، وأن تطبيق الشريعة سيحل المشاكل كافة، وهذا ما يسمى بالخطاب الناعم الحريري فيكون مؤثراً جداً على عقلية الشباب. كان يستجيب لهم الإنسان الأكثر فقراً، أما الإنسان المستقر فيبدأ في التفكير والتساؤل، ولا يستمع لهذا الكلام.

أما ما يخص مواجهة المحتل فيجب التوضيح أن الإخوان كانوا يفكرون في الأمة الإسلامية بمفهومها المتمثل في الأندلس والبلقان وغيرهما، وتأتي فكرة مقاومة المحتل للوطن في بند متأخر على جدول أعمالهم، وعندما شاركوا في حرب فلسطين 1948 كان ذلك باعتبارها قضية إسلامية لإعادتها إلى المسلمين وليس نضالاً ضد الإنكليز، والدليل على ذلك أن حسن البنا كان يحذر أعضاء الجماعة في لقاء الثلاثاء الشهير من التعامل والتواصل مع الإنكليز والملك خوفاً عليهم من الاستقطاب. وعرف الصحافي محمد أبوزيد، صاحب جريدة {النذير} والذي كان عضواً في الجماعة، أن البنا يلتقي ويتواصل مع الإنكليز والملك، وعندما واجه المرشد بالحقيقة أجابه البنا أن الدعوة تقوم على الأمر والطاعة، فنحن الأمر ولكم الطاعة، فما كان من أبوزيد إلا الخروج من الجماعة وتكوين جماعة {شباب محمد}.

لماذا اتجه الإخوان إلى العنف والتطرف ضد عبدالناصر بعد قيام ثورة يوليو 1952؟

المشكلة أن عبدالناصر رفض الوصاية من الإخوان على الثورة، وبعد استقالة علي ماهر باشا، بدأت تتشكل الحكومة برئاسة محمد نجيب، اتصل ناصر بالجماعة لاقتراح اسمين أو ثلاثة يكونون ضمن التشكيل الوزاري، فبعث مكتب الإرشاد أسماء: منير الدالة، صالح أبورقية، وأحمد حسني. وكان عبدالناصر يعرف هذه الأسماء من اتصاله بها قبل الثورة، فأحس بعدم الاهتمام من الإخوان واستبعد الترشيحات، واختار محمد حسن الباقوري على رغم أنه لم يكن مرشحاً من الإخوان وقرر مكتب الإرشاد فصله. بعدذلك، زال سوء التفاهم واتصل المرشد بعبدالناصر قائلاً: {لا نريد الوزارة فنحن نحتاج إلى أن تخبرنا بأي قرار لدراسته في مكتب الإرشاد}. هنا رفض عبدالناصر فقال له المرشد: {نريدك أن تفرض الحجاب في مصر}، فرد ناصر: {ابنتك في كلية الطب وليست محجبة فكيف تطلب فرض ما لا تستطيع تنفيذه على أهل بيتك}.

ما المكاسب الاجتماعية التي قدمها عبدالناصر لمنع استقطاب الفقراء إلى التطرف؟

الإجراءات التي قدمها سحبت الناس من الثورة المضادة إلى ثورة يوليو عندما أقدم في 9 سبتمبر 1952 على قرارات الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية وتوزيع الأراضي على الفلاحين ، ويوم 15 سبتمبر خرج قانون تخفيض استئجار المساكن المنشأة منذ 1943، واستفاد هنا الموظفون وأبناء الطبقة الوسطى، وفي نوفمبر صدر قرار بمنع فصل العمال فصلاً تعسفياً لأنهم كانوا يعملون باليومية من دون عقود وكان من يصاب أو يغضب منه صاحب العمل لا تأمين له. كذلك حدد القانون المحاكمة لتحديد الفصل وفي حضور النقابة، أضف إلى ذلك التعليم المجاني وبناء المصانع والقطاع العام. ببساطة، يمكن القول إن عبدالناصر اجتث جذور التطرف لأنه وفر العمل المناسب والمسكن والعلاج المجاني. بالتالي، لا يوجد سبب للخروج على النظام أو التطرف.

ماذا عن مرحلة الاتفاق بين الإخوان والسادات؟

جاء ذلك بدعم أميركي واضح ليتدخلوا في حل الموقف بين مصر وإسرائيل، وكان شرطهم على السادات السماح بعودة {الإخوان المسلمين} إلى العمل وطرد الخبراء السوفيات، وهو ما تحقق. ثم بدأ الإخوان في صنع الخلايا، وجاء تعيين محافظ أسيوط (جنوب مصر) محمد عثمان إسماعيل، القريب من الإخوان الذي شجع طلاب الإخوان على العمل وانتهجوا منهج تربية لتجنب العمل مع المسنين الذين عاصروا عبدالناصر، وركزوا عملهم على الشباب، والذين دخلوا الجامعات وشاركوا في انتخابات اتحاد الطلبة. وكانت بداية تسليحهم بالجنازير والعصي وفرضوا سطوتهم في الجامعات، وبدأ ظهور قيادات الجماعات الإسلامية في حينها أمثال ناجح إبراهيم، وأبو العلا ماضي.

متى تحوَّل العنف باتجاه السادات؟

لا شك في أن معاهدة 1979 بين السادات وإسرائيل هي الواجهة الأساسية لتوجه الجماعات إلى التطرف ضد النظام حينها، وكان السادات دائماً يقول إنه حاكم مسلم لدولة مسلمة. في المقابل، استخدم المتطرفون السلاح نفسه ضده، فقالوا إنه تعاهد مع اليهود قتلة الأنبياء ضد المسلمين وبرروا بذلك قتله.

رعاية أميركية

كيف ترى السماح الأميركي لنمو تلك الجماعات؟

المغزى من ذلك هو الاستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى تفتيت المنطقة إلى إثنيات وعرقيات لبناء الشرق الأوسط العظيم أو الجديد. بالتالي، تدعم وصولهم إلى الحكم، وعقب ذلك سيتوجهون لإقامة الحكومة الإسلامية وتطبيق الشريعة، ويعود إلى الواجهة حديث أهل الذمة بالنسبة إلى الأقباط والمرأة والحجاب. هنا، تشتعل الحرب الأهلية، وحينها يتدخل الأميركيون لحماية حقوق الأقليات وحقوق الإنسان. هذه المعادلة تفسر ما جرى في اليمن عندما منع الأميركيون تغيير الأوضاع فيها وانتقال السلطة داخل النظام نفسه لأن البديل هم الزيدية الشيعة، ويعتبر ذلك تقوية لإيران وخطراً على المصالح السعودية، وكان تدخل أميركا حفاظاً على التوازنات. ببساطة شروط الأميركيين لأي تغيير عدم الاقتراب من إسرائيل أو من اقتصاد السوق وطبقة المصالح المرتبطة بالشركات العالمية.

هل انتشار التطرف أو تراجعه مسؤولية المجتمع أم الأسرة؟

هي عملية مركبة، لأن الابن المولود في أسرة متطرفة سينشأ على التشدد وكراهية المسيحيين مثلاً، والعكس صحيح إذا كانت الأسرة متدينة ووسطية سيخرج لنا جيل على الشاكلة نفسها. وفي التعليم على سبيل المثال، فإن مناهج اللغة العربية تحتوي على نصوص بلاغية قرآنية والطالب المسيحي مجبر على حفظها، في حين أنه يمكن دراسة البلاغة من الشعر. وفي الدراما التلفزيونية والاجتماعية، تجد الشخصيات كافة تحمل أسماء مسلمة ويتم تجاهل الأقباط. وعلى مستوى صناعة الأفلام الوثائقية، لا نجد فيلماً عن شخصيات قبطية بارزة... ذلك كله يغذي التطرف.

التعليم والتطرف

ما مدى مساهمة المناهج التعليمية في تغذية التطرف أو نبذه؟

أهم من المناهج التعليمية القائم بالتدريس، الذي يعتبر سلوكه هو المؤثر الأكبر للطلاب، فالبعض يحوِّل الفصول وقاعات المحاضرات إلى منابر دعوية ودينية وينقل من خلالها أفكاره، سواء كانت متطرفة أو وسطية. كذلك ثمة مشكلة خطيرة للغاية، تتمثل بالفصل التام في المناهج بين المواد العلمية والأدبية، وعندما ينتقل الطالب الذي درس المواد العلمية المجردة إلى الجامعة لدراسة النظريات المطلقة الخاصة بتخصصه، فإنه يريد تحويل كل ما يقتنع به إلى تطبيق عملي على الأرض. يريد تطبيق الماركسية إذا اقتنع بها أو إنشاء الحكومة الإسلامية. من جهة أخرى، يتعرّض دارس الآداب للأفكار النسبية في العلوم الاجتماعية ويكون تصنيفها مرجحة أو جائزة أو واردة، ما يؤثر على الواقع فنكتشف أن عصب الجماعات المتطرفة يميناً ويساراً من خريجي الكليات العملية (طب، هندسة، صيدلة، علوم)، أو دارسي القانون لأنه مثل الدين يحتوي على نصوص واحدة، وما دون ذلك يكون تأثير الأسرة فيه هو العامل الأكبر.

إلى أي مدى تعوِّل على دور الأزهر في مواجهة التطرف؟

يمثل الأزهر الإسلام الصحيح والوسطي المعتدل بطول تاريخه، ولو أن أعضاء الجماعات المتطرفة كانوا من دارسي وخريجي الأزهر لما كانوا على تطرفهم، ولو تهاون الأزهر بسيطرة جماعة الإخوان عليه ستنتهي الأمور، لأنه عمود الإسلام الصحيح في العالم الإسلامي كله وقائم على فكرة {لا إكراه في الدين}.

في سطور:

د. عاصم الدسوقي من مواليد 1939، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان المصرية، حصل على درجة الدكتوراه عام 1973 عن دراسة عن {كبار ملاك الأراضي الزراعية ودورهم في المجتمع المصري (-1914 1952)}.

له أكثر من 70 مُؤلفاً بين دراسات وكتب وأبحاث علمية، أبرزها: {مجتمع علماء الأزهر 1961-1896}، {نحو فهم تاريخ مصر الاقتصادي والاجتماعي}، {ثورة 1919 في الأقاليم من الوثائق البريطانية}، و{البحث في التاريخ قضايا المنهج والإشكالات}.

- ترجم كتباً عدة من أهمها {جذور الشيوعية الأميركية} لمؤلفه تيدور دريبر، و{أوروبا تحت الحكم العثماني}.

- تولى منصب عميد كلية الآداب في جامعة سوهاج منذ 1984 وحتى 1994، وأسس كلية الآداب جامعة حلوان وكان أول عميد للكلية من 1995 إلى 1999.

- بدأ الإشراف على الرسائل العلمية الجامعية منذ 1980، وبلغ عدد الرسائل التي أشرف عليها 50 رسالة دكتوراه، ونحو 35 رسالة ماجيستير، كذلك شارك في مناقشات الحصول على الدرجات العلمية في تخصصات التاريخ والصحافة والعلوم السياسية والاجتماع.