من يراقب الأحداث من حولنا خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة يلحظ الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية الغريبة التي ننفرد بها في العالم العربي، وخاصة الظواهر المتعلقة أو المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، ومن أبرز هذه الظواهر الزعامات الشبابية السياسية "الفقاعية" التي تنبثق أو التي تدعي الزعامة والتأثير على المجتمع وقيادته لمجرد أنها صفت بعض الآراء أو كتبت بضع مئات التعليقات بالشأن السياسي على "تويتر" أو "فيسبوك"... أو شاركت في نشاط ما سياسي عبر تلك الوسائط الإلكترونية.

Ad

دبلوماسي جزائري احتل عدة مواقع رفيعة في بلاده يحكي في مناسبة حضرتها منذ فترة أنه كان موجوداً في إحدى فعاليات البرلمان الأوروبي، حضرتها شابة مصرية شاركت في بعض أنشطة ثورة 25 يناير 2011 عبر "فيسبوك"، يقول الدبلوماسي إن الفتاة، التي يبدو من أسلوب حديثها أن خبراتها السياسية محدودة، كانت تتكلم بأسلوب يخجل منه زعماء مثل جمال عبدالناصر ونهرو عن الوضع السياسي المصري ودورها وتأثيرها هي وزملاؤها فيه، معلقاً على ما تابعه من تلك الفتاة: بأنها كانت تحتاج بالفعل إلى دروس في التواضع وعدم الغرور، وهذا ما جعل الدبلوماسي الجزائري حسب تعبيره يضع يده على قلبه خوفاً على مستقبل مصر.

وعندنا في الكويت أيضاً من يظن أنه زعيم سياسي، لأن هناك كم ألف متابع له على "تويتر"، رغم خبراته المتواضعة وحداثة عهده في العمل السياسي، وعندما تناقشه تشعر بأنه يعيش في عالم افتراضي غير حقيقي، ويحاول أن يفرض استنتاجاته من ذلك العالم الخيالي على الآخرين، ورغم أن هناك شباباً رائعين ولديهم قدرات مميزة يجب أن تدعم وتطور، لأنهم هم الذين يصنعون المستقبل بالفعل، لكن هذا لا يعني حرق الأجيال والخبرات، وهو ما لم يحدث في أي من المجتمعات الرائدة في العالم، لأن تمكين الشباب يتطلب وضع الواعد منهم في مواقع دعم القرار والاستشارات لصناعة القرار، ولا يعني أن ينفردوا بالقرار كما يفعل بعض الشباب في الحركات الفوضوية التي تتحكم في الشوارع والميادين المصرية، وتستغلها أطراف ذات مصالح مدمرة بأمن مصر ومستقبلها واستقرارها، لأهداف شخصية وحزبية، وهو ما حاول البعض نقله إلى الكويت عبر الحركات الشبابية الفوضوية والدعوات إلى مسيرات ومظاهرات من أطراف مجهولة على "تويتر".

حالة تضخيم دور وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية في بلداننا العربية هي أحد أنماط سوء استخدامنا للتكنولوجيا التي نتلقاها ولا نساهم في صناعتها فقد استخدمت تلك الوسائط في السب والتطاول على القيادات السياسية وإذكاء النعرات العرقية والطائفية، وكذلك منح وهم الزعامة السياسية لبعض الأغرار دون سند من الواقع، وفي الغرب الذي صنع هذه التكنولوجيا وروجها لا يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي وحدها وسيلة خلق زعامة دون عمل جدي، وتدرج في مؤسسات وهيئات سياسية معتبرة، لذا فإن الحديث عن دور "تويتر" و"فيسبوك" في إنجاح الرئيس الأميركي باراك أوباما في دورتيه الأولى والثانية غير دقيق، ومازالت الجولات الانتخابية والمناظرات والدعاية التلفزيونية هي الأهم في نجاح المرشح في الولايات المتحدة، وعلينا في العالم العربي أن نعيد حساباتنا في التعامل مع العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي، وأن نبدد فقاعات الزعامات التي خلقت عن طريقها، ونوقف سلوك حرق المراحل والنهج الفوضوي المدمر لأوطاننا العربية.