الصراع سياسيٌّ وليس طائفياً

نشر في 17-06-2013
آخر تحديث 17-06-2013 | 00:01
 صالح القلاب لو جرى التدقيق في الأمور بتجردٍ وبدون مواقف مسبقة لوجدنا أنه لا مشكلة بين السنة والشيعة، فالإله واحد، والدين واحد، والرسول واحد، والفرائض واحدة، والحب والاحترام والتقدير لآل بيت محمد لا خلاف عليها، وكل المسلمين أهل المذهب السني قبل أتباع المذهب الشيعي عندهم لرابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب مكانة خاصة، فهو ابن عم رسول الله، وكرَّم الله وجهه ولم يسجد لصنم قط، وهو زوج "بضعة" النبي فاطمة الزهراء، ووالد الحسن والحسين اللذين كان يقبلهما جدهما على "ثناياهما" ويعتبرهما ابنيه وأقرب آل بيته إليه.

إذاً ما المشكلة سابقاً ولاحقاً... ولماذا يكلف حسن نصرالله "ميليشيات" حزبه، الذي ثبت أنه أكثر طائفية من أكثر الطائفيين تشدداً في ذروة تفشي "الشعوبية" المقيتة في جسد "الأمة"، برفع الراية السوداء التي تحمل، بخط أحمر، ذلك النداء الذي ينطبق عليه القول: "كلام حق يراد به باطل" على مئذنة مسجد عمر بن الخطاب في بلدة "القصير" السورية التي تعرضت لثأر تاريخي موهوم ومفتعل، بقي يملأ قلوب الذين افتعلوه كرهاً للعرب والأمة العربية؟!

المشكلة في حقيقة الأمر أن الثورة الخمينية وللأسف... "وألْف للأسف"، بدلاً من أن تكون ثورة للإسلام وكل المسلمين، وبدلاً من أنْ ترفع راية شطب "الشعوبية" وإنهاء هذا "الصراع التاريخي" الذي افتُعلَ افتعالاً بعد كربلاء وقبلها كردٍّ "فارسي"... نعم فارسي على ذي قار والقادسية، بادرت إلى تبني كل خرافات التاريخ، وأصرت على أن ينص الدستور (القانون الأساسي) على أن دين الدولة (الجمهورية الإسلامية) هو الإسلام على المذهب الجعفري الاثني عشري.

وهكذا فقد استمر ورثة الإمام الخميني من أهل الدين وأهل الدنيا في حمل رسالة إسماعيل الصفوي التي ارتفعت في أسوأ مرحلة مريضة عرفتها الأمة، والتي خيض تحت ظلالها أحقر حروب دامية أزهقت أرواح مئات الألوف من المسلمين، والتي خلّفت أحقاداً دفينة بين السنة والشيعة، هي في حقيقة الأمر بين الفرس والعرب الذين كان من المفترض أن ينصهروا في حضارة واحدة، على أساس أن هذا الدين الحنيف قد خلَّص العرب من جاهليتهم التي كانوا يغرقون فيها حتى الأعناق، وخلَّص الفرس من "المجوسية" وعبادة النيران ومن "أهرومزدا" و"أهريمان"!

إنَّ الذي يجري الآن، إن في العراق، وإن في سورية، وإن في دول عربية أخرى، والذي تجسد في غزو إيران و"حزب الله" والحوثيين وعصائب الحق والعصابات المذهبية الأخرى لدولة عربية طليعية، هو صراع سياسي لا علاقة للمذهب الشيعي "الشريف" أي علاقة به، فالفرس الذين اختطفوا هذا المذهب، كما اختطف النظام الأسدي في عهد الوالد و"الولد" المذهب العلوي "النصيري" وأتباعه، يريدون استعادة ما يعتبرونه نفوذهم في بلاد الرافدين وبلاد الشام واليمن والجزيرة العربية ومصر وفي الشرق الأوسط كله.

إنه صراع سياسي استطاع ورثة الثورة الخمينية أن يحققوا خدمة له لم يستطع تحقيقها حتى الشاه محمد رضا بهلوي، وهي اتخاذ "التشيُّع" غطاءً لأهدافهم التوسعية وتطلعاتهم التي تستند إلى تلك الفترات التي بلغ خلالها التمدد الفارسي ذروته في هذه المنطقة الشرق أوسطية، فالمذهب الشيعي "الشريف" لا علاقة له بهذا الأمر، ولذا فإن الأخطر هو تحويل أتباع هذا المذهب في بعض الدول العربية إلى جاليات إيرانية... لباساً وقيماً وأخلاقيات ومواقف سياسية وأيضاً توجهات وجدانية.

وهنا فإنه كان على علماء المسلمين (من أهل السنة)، الذين التقوا في القاهرة قبل أيام، ألا يقعوا في هذا الشَّرَك الإيراني الذي نُصِب لهم وألا ينطلقوا من منطلقات مذهبية في القرارات التي اتخذوها، والتي كان يجب أن توجَّه إلى إيران كدولة لا إلى إيران كشعب ولا كمذهب، وأن توجَّه إلى "حزب الله" ونظام بشار الأسد والعصابات العراقية المتمذهبة لا إلى الشيعة ولا أيضاً إلى العلويين، وذلك إذْ يكفي هذه الأمة خلافاً وتمزقات، وإذْ لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يتخذ دعم الشعب السوري ضد قتلته وجلاديه المزيد من إذكاء نيران الفتنة الطائفية والمذهبية.

back to top