في حكم قضائي بارز من محكمة الجنايات بعدم أحقية وزارة الاعلام التقدم بشكاوى جزائية ضد الصحف والفضائيات إذا ما نشرت أو بثت إعلانات أو أخبارا لمرشحين لانتخابات مجلس الامة سواء في يوم الاقتراع أو قبله بيوم تحت ما يسمى بفترة الصمت الانتخابي، لعدم وجود نصوص قانونية تجرم مثل هذه الافعال.

Ad

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها أن إجراء الدعايات الانتخابية وبث واعادة نشر اي معلومات في يوم الاقتراع محظور للوائح والقرارات التنظيمية إلا أنه لا يمكن اعتباره جريمة في نظر القانون الجزائي لعدم وجود أية عقوبة محددة له من قبل السلطة التشريعية كأصل أو من قبل السلطة التنفيذية بناء على تفويض كاستثناء.

لا جريمة ولا عقوبة

وأوضحت المحكمة قائلة «لا يعد الفعل جريمة ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله إلا بناء على نص في القانون، لافتة إلى أن النص إذا انعدم فلا جريمة ولا عقوبة وهو ما يعرف بمبدأ الشرعية الجنائية الذي تضمن عدم الافتئات على حريات الافراد في المجتمع ويقرر صراحة سيادة القانون».

وبينت «أن القاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلا معينا جريمة ولا المعاقبة عليه الا بوجود نص ينطبق على هذا الفعل في القانون، وأنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل».

وكانت النيابة العامة قد وجهت لرئيس تحرير إحدى الصحف المحلية تهم نشر إعلانات عن المرشحين لعضوية مجلس الأمة 2012، وكان ذلك في اليوم السابق للاقتراع دون التقيد بالقرارات الصادرة من وزارة الإعلام بشأن تنظيم النشر على النحو المبين بالتحقيقات.

وطلبت النيابة العامة معاقبة المتهم بمقتضى المواد (1/3و4)، (21/3)، (23)، (24/1)، (27 فقرة 1 بند 3 وفقرة 2) من القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر، والمادة (7) من القرار الوزاري رقم 16/2012 بشأن القواعد المنظمة للحملات الانتخابية، والمادة (7) من القرار الوزاري رقم 78/2012 بشأن شروط وضوابط التغطية الإعلامية والإعلان والترويج لانتخابات مجلس الأمة.

الدعاية الانتخابية

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنها تشير بداءةً إلى أن المادة (21) من القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر نصت على أنه «يُحظر نشر كل ما من شأنه:- (1)... (3) خدش الآداب العامة أو التحريض على مخالفة النظام العام أو مخالفة القوانين أو ارتكاب الجرائم ولو لم تقع الجريمة».

وأضافت المحكمة أن المادة السادسة من قرار اللجنة الوطنية العليا للانتخابات رقم 16/2012 بشأن القواعد المنظمة للحملات الانتخابية نصت على أن «تبدأ الحملة الانتخابية من تاريخ نفاذ المرسوم الصادر بالدعوة للانتخابات، وتوقف في اليوم السابق على الاقتراع، ويمتنع في غير هذه الفترة – وبأي وسيلة من الوسائل – إجراء الدعاية الانتخابية».

وقالت المحكمة إن المادة السابعة من قرار وزارة الإعلام رقم 78/2012 بشأن شروط وضوابط التغطية الإعلامية والإعلان والترويج لانتخابات مجلس الأمة نصت على أنه «يُحظر بث أو إعادة بث أو نشر لقاءات أو برامج أو تقارير مع أو عن أي من المرشحين لانتخابات مجلس الأمة أو المجلس البلدي في يوم الاقتراع واليوم السابق عليه»، ونصت المادة العاشرة منه على أنه «في حالة مخالفة أي من أحكام هذا القرار تُطبق الأحكام المبينة بالقوانين أرقام 35 لسنة 1962 و3 لسنة 2006 و61 لسنة 2007 المشار إليهم والقوانين الأخرى ذات الصلة».

نص في القانون

وأوضحت المحكمة في حييثيات حكمها «إنه من المقرر بنص المادة (32) من الدستور أنه» لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، كما انه من المقرر بنص المادة الأولى من قانون الجزاء أنه «لا يُعد الفعل جريمةً، ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله إلا بناءً على نص في القانون»، فإذا انعدم النص فلا جريمة ولا عقوبة، وهو ما يُعرف بمبدأ الشرعية الجنائية الذي يضمن عدم الافتئات على حريات الأفراد في المجتمع ويقرر صراحةً سيادة القانون، فالقاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معينًا جريمةً ولا المعاقبة عليه إلا بوجود نص ينطبق على هذا الفعل في القانون».

ولفتت المحكمة إلى أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحةً لا لبس فيها، فإنها يجب أن تُعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسيرأو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك، كما أنه لا محل للاجتهاد إزاء النص الواجب تطبيقه.

الدعاية ليست جريمة

وقالت «وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت للمحكمة – بعدما أحاطت بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وتفحصت جميع النصوص القانونية المتصلة بها – أن إجراء الدعايات الانتخابية وبث وإعادة بث ونشر أي شيء في هذا الإطار خلال يوم الاقتراع واليوم السابق عليه هو أمر محظور ومخالف للوائح والقرارات التنظيمية، إلا أنه لا يمكن اعتباره جريمةً في نظر القانون الجزائي لعدم وجود أية عقوبة محددة له من قبل السلطة التشريعية كأصل أو من قبل السلطة التنفيذية بناءً على تفويض من السلطة التشريعية كاستثناء».

وبينت المحكمة أنها «لا تساير سلطة الاتهام في ما ذهبت إليه من انطباق نص المادة (21/3) من القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر على ما فعله المتهم، ذلك أن الركن المادي لجريمة نشر ما من شأنه التحريض على مخالفة النظام العام أو مخالفة القوانين أو ارتكاب الجرائم يقوم على سلوك التحريض، والمقصود بالتحريض في هذا النص هو دفع وإغراء الآخرين لحملهم على القيام بفعل من الأفعال المشار إليها فيه، وبالتالي فإن قيام الناشر بدفع وإغراء جمهور القراء على عدم الالتزام بما ورد في القرارين رقمي 16/2012 و78/2012 سالفي البيان وحملهم على إجراء الدعايات الانتخابية في يوم الاقتراع واليوم السابق عليه – وهو أمر لم يرتكبه المتهم من قريب أو بعيد – يوقعه تحت طائلة التجريم، أما مجرد عدم التزامه بمفرده بهذين القرارين دون أن يصاحب ذلك أي تحريض منه للآخرين، فإنه غير معاقب عليه جزائيًا لا بهذا النص ولا بغيره، الأمر الذي يتعين معه القضاء ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه عملاً بنص المادة (172/1) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.