نيقوسيا تكشف شروخ دروع البنوك المركزية

نشر في 23-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 23-03-2013 | 00:01
لا تعتبر البنوك المركزية كفؤة في كل شيء، فخلال الأشهر الثمانية الماضية، دفع البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة، النظم الاقتصادية الغربية نحو الانتعاش.

فعل الأول ذلك من خلال مواجهة المخاوف بشأن استقرار منطقة اليورو، ولجأ الثاني إلى ذلك من خلال ‹›التيسير الكمّي›› بلا نهاية محددة.

إذاً، لماذا لم يتمكن البنك المركزي الأوروبي من منع الأزمة في قبرص، وهي أحد أصغر أعضاء منطقة اليورو من حيث الحجم، من الخروج عن السيطرة وتشكيل مخاطر كبيرة أمام قصة انتعاش السوق المالي؟

شارك البنك المركزي الأوروبي عن كثب في وضع حزمة إجراءات إنقاذ جزيرة في المتوسط، أثارت الفزع من أن يتضرر عملاء البنوك في المستقبل في أنحاء كثيرة من جنوب أوروبا، وأثارت التساؤل بشأن التزام زعماء منطقة اليورو، بتصحيح عيوب الإنشاء في الاتحاد النقدي الأوروبي الذي بدأ قبل 14 عاماً.

يوجد جانبان بشأن دور البنك المركزي الأوروبي، لافتان للنظر: الأول هو تهديده بإسقاط النظام المصرفي في قبرص، إذا لم يتم التوصل لاتفاق، وهو ما تنافر مع تأكيد ماريو دراجي، في يوليو الماضي، على أن البنك المركزي الأوروبي سيفعل ‹›كل ما يلزم›› للحفاظ على تكامل منطقة اليورو (وهو تعهد يفسر الكثير من التحسن اللاحق في الأسهم على المستوى العالمي).

الغموض البناء

 كشف نيكوس أناستاسياديس، رئيس قبرص أن البنك المركزي الأوروبي هدد بإلغاء الموافقة على منح البنك المركزي القبرصي، مليارات ‹›مساعدة السيولة الطارئة››، للحيلولة دون ‹›انهيار كامل، مع خروج محتمل من منطقة اليورو››.

 وإذا كانت روايته صحيحة، فهذا يعني أن البنك المركزي الأوروبي كان له موقف أصعب من موقفه تجاه أيرلندا، بل وحتى اليونان، اللتين كانتا هدفاًً لعمليات إنقاذ بتقديم الدعم المالي لهما في وقت سابق، حيث فضّل ‹›الغموض البناء›› المتعمد – دون توضيح ما سيفعله تحديداً، إذا لم يتم الاتفاق على حزمة إجراءات.

 الثاني هو فشل البنك المركزي الأوروبي في منع قبرص من محاولة تمويل الجزء الخاص بها، في خطة الإنقاذ من خلال فرض الضريبة حتى على ودائع البنوك، دون 100 ألف يورو، وهو الحد الذي يفترض أنه مضمون بموجب اتفاقية شملت أنحاء الاتحاد الأوروبي.

 طوال أزمة منطقة اليورو، فهم البنك المركزي الأوروبي ردود أفعال السوق المتوقعة، وكان من شأن ذلك ملاحظة العواقب الحارقة لمثل هذه الخطوة.

موقف صعب

 بالتأكيد كان البنك المركزي الأوروبي يتعرّض لموقف صعب تماماً، حيث يشمل تمويل عملية الإنقاذ المالي خيارات مزعجة، وكان يجب إيجاد مخرج.

 لكن كان بإمكان البنك المركزي الأوروبي الإصرار على فرض ضرائب أعلى على الودائع التي تزيد على 100 ألف يورو، فهو ليس مجرد داعم متحمس للاتحاد المصرفي الأوروبي، الذي يتضمّن في النهاية حماية مشتركة للودائع، بل باعتباره مؤسسة غير منتخبة، ينبغي عليها القلق بشأن سمعتها وشرعيتها الشعبية.

 وبدلاً من ذلك، أصبحت قبرص آخر زلة سياسية في أزمة منطقة اليورو.

وبالعودة لبدايات عام 2010، كان على جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، التغلب على التردد الألماني في التعامل مع أزمة اليونان، و هو ما جعل مشكلات الديون فيها أزمةً تمس وجود منطقة اليورو. وفي وقت لاحق من هذا العام، سمح زعماء منطقة اليورو، بغير تعمدٍ، بتصعيد الأزمة بعد التصريح في قمة في دوفيل في فرنسا، بأنه في عمليات الإنقاذ المستقبلية، سيتحمّل مستثمرو القطاع الخاص قدراً أكبر.

 في العام الماضي، فشل البنك المركزي الأوروبي، في منع زعماء منطقة اليورو من فرض خسائر على أصحاب ديون حكومة اليونان، ما أدى إلى اشتعال أزمة المنطقة، مرةً أخرى.

 عموما، حدثت الانتكاسات عندما اصطدم تفكير وإصرار الساسة الألمان، القائم على قواعد بشأن دفع المخاطرين ثمن الأخطاء، بزعامة البنك المركزي الألماني ‹›بندسبانك›› المعروف بكونه محافظاً، للمقاومة غالباً، مع مقتضيات إدارة أزمة قصيرة الأجل. في ظل إدارة دارجي، الذي تولى منصبه كرئيس للبنك المركزي الأوروبي في نوفمبر 2011، بدا أن مثل هذه المصاعب قد خفّت.

 كان برنامج ‹›المعاملات النقدية المباشرة›› الذي بدأ العام الماضي، والذي يستطيع البنك المركزي الأوروبي بموجبه شراء ديون حكومات منطقة اليورو المتعثرة، فعالاً في تهدئة مخاوف السوق، بشأن تفكك منطقة اليورو – دون حتى شراء سندٍ واحدٍ– بسبب دعمٍ من قبل برلين.

 قد يكون تفسير فشل البنك المركزي الأوروبي في منع أزمة قبرص من التصاعد، هو أن دارجي غض طرفه عما يحدث.

مشكلات مستعصية

 تم ترك المفاوضات يوم الجمعة الماضية ليورج أسموسن، المسؤول السابق في وزارة المالية الألمانية، المنضم أخيراً إلى مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي التنفيذي.

 التفسير الآخر، وهو ما قد يكون تفسيرا أكثر قبولاً، هو أن سياسات وحسابات مشكلات قبرص المالية والمصرفية، كانت ببساطة، مستعصية حتى أن البنك المركزي الأوروبي، حكم بأن أي نتيجة ستكون غير مرضية، إلا أن التحسن الذي حدث في الأسواق المالية منذ (يوليو) الماضي، سيمنع آثار العدوى من أن تصبح كارثية. حتى الآن، كانت هذه هي الحالة. وكان بيع الأسهم الأوروبية بسعر منخفض في هذا الأسبوع محدوداً، ولم تهتم أسواق السندات السيادية الأوروبية، إلى حد كبير، بالتهديد الذي يواجه الاستقرار المالي لمنطقة اليورو، وفي النهاية، أوفى زعماء منطقة اليورو بتعهدهم بعدم تكرار إعادة جدولة ديون اليونان.

 لكن قبرص تذكرةٌ لهشاشة التغيّر الجذري في منطقة اليورو، وحدود سلطات البنوك المركزية.

* (فايننشال تايمز)

back to top