تسرد الكاتبة إقبال العثيمين في «رماد الروضة» جانباً من حكايات واقعية حدثت لها أو حدثت لأفراد آخرين إبان الغزو العراقي لدولة الكويت، لاسيما أنها عاصرت هذه التفاصيل لحظة بلحظة، لأنها بقيت في الكويت خلال تلك الفترة الصعبة، وعانت من نير الاحتلال وبطش المحتلين.

Ad

ضمن هذا السياق تستهل العثيمين إصدارها موضحة أن «محتوى الكتاب يتضمن أوراقاً احتفظت بها من الذاكرة، سجلت فيها يوميات بعض من الأيام التي عشتها داخل الكويت خلال فترة الغزو الذي قام به الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين عام 1990، وعلى رغم أنني عشت فترة الغزو كلها داخل الكويت، مع المجموعة التي قررت أن تبقى أيا كانت النتائج».

تقع الرواية في 27 مقطعاً سردياً هي كالتالي: «اليوم الأول»، «اليوم التالي»، «منظمة التحرير»، «سفارات»، «القرار»، «الضفادع المصرية»، «العائلة»، «الجديد والقديم الجديد»، «تنظيم مدني»، «سليمان»، «سيارة طالب»، «الهلال الأحمر»، «دور الرعاية»، «الأدسية»، «في بيتنا جنود»، «ملتقى الثلاثاء»، «الأصدقاء»، «الأمم المتحدة»، «السيارة الحمراء»، «25 ديسمبر»، «لأعمال تطوعية»، «زواج»، «حجي حجي»، «حي الطرب»، «الرضيعة»، «التحرير»، «إسماعيل فهد إسماعيل».

لحظات الانكسار

تستدعي العثيمين ملامح من المشاعر الإنسانية المضطربة لتلك الفترة المؤلمة من حياتها عبر تسلسلها الزمني، مركزة على لحظات الانكسار الوجداني لصدمة غير متوقعة، وتشير إلى أن «محتوى الكتاب ليس اختزالاً مفصلاً لما جرى على مدار سبعة أشهر، بل مجرد سرد لحكايات جسدت فترة الغزو، فطموح هذه الحكايات هو التعبير عن يوميات الخوف والحزن والألم، وتسجيل حالات القلق والقهر في دولة الكويت التي عاينتها وعانيتها مع من كانوا معي، خلال حياتنا في منطقة الروضة. إنها قصة البحث في ما تبقى من الذات في رماد الروضة. إنها حكايات تسجيلية لما يستحق التسجيل، ذلك لأنها تكثف ما كان يحدث بشكل مستمر».

وهكذا فإن تلك الحكايات التي تمثل متن هذه السيرة، هي خلاصة ما تبقى من الذاكرة لتلك المرحلة. تم انتقاء تلك الأيام من سبعة أشهر في حياة ملؤها الخوف والقهر لكونها أيضاً نتاج أو حصيلة ما تبقى في ذاكرة بعد اثنين وعشرين عاماً، إنها احتياج ملحّ للإمساك بالقلم قبل أن تخنق الكلمات.

كابوس مزعج

تستعيد العثيمين جانباً من كابوس قد رأته لم ينهه إلا صوت رنين الهاتف ووقع أقدام خادمتها الفلبينية التي جاءت لإيقاظها لمحادثة أخيها سليمان لأمر هام، وفقاً لما روته الخادمة، وعقب أكثر من محاولة لإيقاظها نهضت العثيمين على مضض وأمسكت سماعة الهاتف وفجعت بالخبر الذي بثه سليمان عبر أسلاك الهاتف: «العراقيون دخلوا الكويت». هذا النبأ كان كفيلاً بتبديد النوم لكن المفارقة أنها كانت تشعر بأن ما سمعته كابوس.

تسرد الكاتبة أثر هذه المفاجأة على الكويتيين، مشددة على تكاتفهم وتوحيد صفوفهم خلال تلك المرحلة الصعبة من التاريخ، وتقول ضمن هذا السياق:» بمرور الوقت أصبح منزل العائلة الواحدة في الكويت مقراً يجمع العديد من العوائل الأخرى، وكانت هذه وسيلة تلك العوائل للاستقواء ببعضها بهدف حماية أفرادها، لاسيما بعدما صارت حركة السيارات صعبة في ظل ندرة البنزين».

وترصد الرواية بعض الظواهر التي واكبت الغزو العراقي ومنها انتشار شكل جديد من الأسواق لم تعهده البلاد من قبل مثل «سوق البسطات»، وكذلك انتشار عربات باعة الخضروات وغيرها من الأمور.

منظمة التحرير

وفي مقطع منظمة التحرير، تروي الكاتبة رغبتها مع صديقتها فريال الفريح، زوجة النائب عبدالله النيباري، في إصلاح الموقف الفلسطيني المؤيد للغزو العراقي، من خلال الحديث مع أحد المسؤولين الفلسطينيين في الكويت لإصدار بيان من منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت يوضح موقفها المساند لقضية الكويت، وحتى لا يلتبس الأمر على الكويتيين جراء تصرفات بعض الفلسطينيين اللامسؤولة، لكن هذه الرغبة ذهبت أدراج الرياح.

عصيان مدني

بعد استيلاء العسكر على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية كانت النتيجة امتناع الكويتيين وبعض المقيمين عن التوجه إلى أعمالهم، وهذا الأمر لم يكن متفقاً عليه بل كان عفوياً اتخذه أصحاب الضمير الحي، لأن التعامل مع هؤلاء الجنود خيانة كبرى، وبدأت بعض التنظيمات السرية الأخرى تظهر نتائجها على الملأ، إذ كانت منطقة الروضة قد شهدت هجمات للمقاومة الكويتية استهدفت المحتلين.

 كان الحس الجمعي العام للكويتيين في الداخل عاملا رئيساً في تسيير وتصريف الأمور في الداخل، فلم تكن النسوة بحاجة إلى قرار حكومي للالتزام بارتداء العباءة السوداء كما لم يكن الرجال بحاجة إلى قرار لإطلاق اللحى أو بدء العصيان المدني.

وتلفت العثيمين إلى أن بعض البيوت في الكويت، خلال فترة الغزو، أصبح مقراً للنشر والطباعة وأحياناً مدرسة، من هذه النماذج بيت الدكتورة دلال الزبن.

ومن المواقف البطولية، تورد الكاتبة جانباً من حكاية الشهيد البطل براك النوت الذي رفض التعامل مع العراقيين متمسكاً بالشرعية الكويتية، مستذكرة مشهد استشهاده.

وفي صورة رمزية جميلة، تختصر ما يعانيه كل كويتي أو كويتية خلال فترة الغزو، لاسيما أن الغدر تمثل في هذا الاحتلال الذي جاء في جنح الليل، تورد الكاتبة هذا الموقف وهي تقود سيارتها ويجلس في المقعد الخلفي أحد الأشخاص، وتقول: «وما أن استقر بالمقعد، حتى انتابتني هواجس عديدة وتداعيات وأسئلة، وقلت لنفسي:» ترى هل حمل مسدساً وهل سيجبرنا أثناء العودة على الوقوف أمام مركز للجنود العراقيين؟ وهكذا أخذت الأفكار السوداوية والكوابيس تنهال على مخيلتي، وربما هذا ما كان يدور في رأس نوال أيضاً».

انتظار

انتظر الكويتيون بدء عمليات التحرير بفارغ الصبر، إذ سئموا من بطش المحتلين وديكتاتورية الآلة العسكرية التي قتلت وأسرت الكثير من أبناء الشعب الكويتي الذي لم يعتد على هذه الحياة، فرفض هذا الاحتلال مقاوماً الآلة العسكرية بأجساد لا تخشى الموت في سبيل الحرية. وتستذكر العثيمين اللحظات الأولى لبدء عملية التحرير في السابع عشر من يناير 1991، مستعرضة سمات توحد الكويتيين خلف قيادتهم وتكاتف الجميع لنيل الحرية وطرد المحتلين، ثم تسرد جانباً من تفاصيل يوم التحرير الذي استقبله الكويتيون بالبهجة والسرور.