استضاف ملتقى الثلاثاء الثقافي الشاعرين الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم والمصري مختار عيسى في أمسية شعرية، تنوعت صورها الشعرية في الاغتراب والترحال والسخرية من الواقع.

Ad

جاء ذلك ضمن أمسية شعرية نظمها ملتقى الثلاثاء الثقافي في جمعية الخريجين مساء أمس الأول، وقرأ الشاعران إبراهيم محمد إبراهيم وعيسى مختار مجموعة من أعمالهما الموزعة بين تجربتي التفعيلة والنثر، وأدار الأمسية الشاعر دخيل الخليفة، معتبراً أن الكتابة الشعرية غوص في الكيان الإنساني قبل ان تكون انعكاسا لحدث، مشدداً على أن الشاعر يقتنص لحظة من عمق المجهول لبناء عوالم جديدة، مشكلاً تعددية الطرح متجنباً القوالب الثابتة.

بداية، قرأ الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم نصاً بعنوان «رحيل في تضاريس الغربة والعشق» ويقول فيه: «راحلٌ/ حبلُهُ في يديه/ وقبضةُ تمرٍ وماءْ./ كالنسيم إذا مرّ في الليل، سرّحَ سعفَ النخيلِ وألهبَهُ صبوةً../ مرّ بالشّرُفاتِ التي لا تَفَتَّحُ/ إلا إذا طلعَ الفجْرُ،/ ألقى التّحيّةَ/ قالَ: سلامٌ على أهل هذا المساءْ./ راحلٌ/ زادُهُ الدّربُ/ قِبلتُهُ، الريحُ/ نجمتُهُ قلبُهُ/ نعلُهُ الأرضُ/ هامتُهُ في السماءْ.

يسلك إبراهيم مساراً شعرياً خاصاً عبر أسلوب يتسم بالتكوين المتصاعد للخطاب الشعري، المنحاز إلى الإنسان والمنسوج بلغة طيعة خالية من التكلف والتعقيد، إذ ثمة إيقاع جميل تتضمنه نصوصه، ينساب إلى مسامع المتلقي بكل سلاسة فيشتبك النص الشعري بكل صوره الجمالية المبتكرة مع خيال المتلقي فتأسره حميمة الخطاب والخيال الخصب.

يمزج إبراهيم بين عوالم منوعة ضمن قصيدته، عالم موسوم بالألم متناثر على الأقطار العربية، وعالم مثخن بالجراح بسبب الحرب والتدمير دفع المتضررين إلى الرحيل، وكذلك عالم آخر متخيل يمثل توليفة من الواقع والخيال.

ويسرد خلال قصيدة «رحيل في تضاريس الغربة والعشق» رحلة الانكسارات العربية المتكررة، منتقداً بعض الأوضاع الراهنة، ويقول ضمن هذا السياق:»حداؤُكَ،/ في كلّ خيلٍ تصولُ/ وبأسُكَ/ في كلّ سيفٍ يُسَلُّ./ قبِلتَ الرّهانَ، ولمّا استويتَ على شفْرةِ/ الرّأي ِ/ لِنْتَ لهُمْ../ باسِطاً راحتيكَ لِمن خالفوكَ الطريقةَ/ فانْتشروا كالجرادِ سُدىً،/ وانْكفَأْتَ على وتَدٍ.

انزياحات شعرية

يمضي الشاعر في رحلته، مستعدياً النهاية المأساوية للحكاية، ويقول: «لِنْتَ لهُم ما استطَعْتَ/ وما لان قلْبُ البلادِ عليكَ/ ليُخرِجَ منها الأعَزَّ الأذَلّ./ «من المُؤمنينَ رِجالٌ»/ وحسْبُكَ أنّكَ أنتَ الأقَلُّ./ من المؤمنينَ../ وما جنحوا لرحيلكَ، فارتحلوا خارجَ الحُزن / يلتمسونَ الرُّؤى/ في عروق الظلام على جذوةٍ تضمحِلُّ./ عفَوتَ.

وقرأ إبراهيم قصيدة أخرى بعنوان، «أسميتك الأولى» الموسومة بالانزياحات الشعرية المتنوعة إذ يمزج يضع الشاعر محبوبته بمنزلة الوطن، ومن أجواء النص:» أسميتك الأولى/ وإن كنت الأخيرة في حساب الحب/ أسميت الذي بيني وبينك موطناً لما تباعدت البلاد وصار ساكنها غريب الوجه فيها أسميتك الدنيا بل العليا».

كما قرأ الشاعر مجموعة نصوص أخرى خلال الأمسية الشعرية، وهي «سفر القرية» و«هكذا قهوتي» و«هالة في المقهى».

وبدوره، قرأ الشاعر مختار عيسى أربعة نصوص، هي «وامرأتي خضراء!» و«صبٌ غوى» و«ما رأيك في فطيرة من السياسة؟» و«العازف يعلم»، واستهل هذه القراءات بقصيدة «وامرأتي خضراء»! من ديوان «يحط الحمام على ضفتيك» ومن أجوائها: «أخرجُ من ذاكرتي/ في القلب قصاصات من حلم موءود،/ وامرأتي مازالت خضراء،/ وأطفالي يحتضنون عصافيري خضرا، والشعراءُ انصرفوا! /هذي منزلتي/ فافترشوا، ما شئتم.. من سعف تباريحي، أو ناموا../ كالحلم الأخضر.. فوق قطيفة روحي/ سيان،/ فخاتمتي بدئي، وسمائي مثقلة بالعشب الأرضي، ولكني... أنذركم/ آياتي كثر، وعلاماتي أن سيكون الفيضُ، وأن تخْضَرَّ قوافي الشعراء، أنا المسكونُ بأحلام الفقراء المنكسرينَ،/ المدهونُ بزئبق فاتنة.

تتميز نصوص الشاعر مختار عيسى بالثراء اللغوي وتنوع الصور الشعرية، إذ يقدم خطاباً يحتمل التأويل لأكثر من فكرة وفقاً لرغبات المتلقي وأفقه، مركزاً على الشحنة الدرامية في القصيدة.

فطيرة سياسية

ثم قرأ عيسى نصاً بعنوان «ما رأيك في فطيرة من السياسة؟»، ينتقد فيها دهاليز السياسة، ساخراً من الأكاذيب والزيف: «تعالي إذاً/ لنمدد أرجلنا/ باتجاه الريح مرة أخرى/ نعقد صفقة/ على طريقة «لمحافظين الجدد»/ نلوِّن الشاشات بالأكاذيب/ قبل أن نستفتي الأهل والأصدقاء/ في سهرة فندقية ناعمة الملمس/ نحتاجها؛/ لنبرر عناق الموت اليومي/ دون أن يجد المراسلون ممرا سريا.../ إلى نزوفنا المخبأة/ دون أن يرتكب الشرط ديمقراطيتهم.../ في توزيع الشحنات المكهربة../ من أقوال الزعيم/ على أجسادنا في الحدائق/ ونحن نصفق/ بصفاقة غير مسبوقة/ للتماثيل التي انحنت فجأة/ عند مرور الغبار!