لم يكن اكثر المتشائمين عام 2009 يعتقد ان خطة التنمية ستحقق هذا القدر العالي من الفشل بعد 4 سنوات من العمل فيها، خصوصا في ما يتعلق بمؤشرات قياسها التي اظهرت تراجعا حادا في الاداء تجاه المكونات التي يفترض ان تحقق الكويت فيها تقدما!

Ad

فمن بين 31 مؤشرا لقياس الاداء بين عامي 2009 و2013 حققت الكويت تراجعا في 21 مؤشرا، في حين تقدمت في سبعة مؤشرات وثبت اداؤها في ثلاثة، مما يعطي انطباعا حول سوء الاداء الحكومي وعدم توافقه مع اهداف الخطة، فضلاً عن ضعف ادوات الاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي.

وتشير الجداول السبعة المنشورة في التقرير، المعتمدة على بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي والاداء البيئي، الى ان تراجعات مهمة شملت ترتيب الكويت في مؤشرات كفاءة سوق العمل وجودة التعليم وثقة الجمهور بالسياسيين والحرية الاقتصادية وسهولة الاعمال، في حين حققت تقدما في استقلالية القضاء وحقوق الملكية، وثباتا في مؤشر مدركات الفساد، كما حققت تقدما في مؤشر الحريات المدنية مقابل تراجع لمؤشر الحريات السياسية.

التنمية والمركز

هذه التراجعات تشير بشكل صريح الى ان العلة في آلية العمل الحكومي، فلا يمكن ان تعمل دولة على وضع استراتيجية سيادية كبرى تستهدف النمو فتجد نفسها متراجعة، مما يدعو الى مراجعة عمل الجهات المكلفة بالخطة وإلا فسيصيب خطة التنمية ما اصاب المشروع السابق وهو التحول الى مركز تجاري ومالي والذي مضى عليه نحو 10 سنوات ولم يسجل اي تقدم حقيقي يصب في مصلحته.

هذا النوع من الأعمال (خطة التنمية وقبلها المركز التجاري والمالي) يتطلب تحقيق تقدم في بيئة الأعمال واستقطاب الرساميل والمشروعات، الى جانب تعديل مجموعة ضخمة من القوانين التي تدعم هذا الاتجاه، فالتحول الى مركز تجاري ومالي ليس مجرد خطاب سياسي او عنوان عريض، بل مشروع فيه من التفاصيل والجزئيات ما يشغل دولا على مدار العام ويجعلها تراقب كل المؤشرات التنافسية لتتفوق بها عاما تلو الآخر.

المشكلة ان المال هو آخر مشكلة نعانيها في الكويت، فما تم انفاقه خلال 10 سنوات منذ اعلان رغبة التحول الى مركز تجاري ومالي تجاوز 100 مليار دينار، 89 في المئة من هذا المبلغ مصروفات تتضمن الرواتب ودعم السلع والخدمات (إنفاق استهلاكي)، في المقابل لم تتجاوز قيمة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع خلال نفس الفترة 11 مليار دينار، أي ما يعادل نحو 11 في المئة من إجمالي المصروفات العامة خلال الفترة محل المقارنة.

وبين الإنفاقين الاستهلاكي والرأسمالي تكمن العلة في الاقتصاد بشكل عام، فكلما انخفض الانفاق الرأسمالي وتراجعت المشاريع ضاقت الفرص المتاحة للنمو وفرص فتح المجال لمزيد من التنافسية وتحفيز بيئة الاعمال.

مؤشرات الاستدامة

وعندما نرى ان 4 من اصل 5 مؤشرات تتعلق بالاستدامة الاقتصادية تحقق تراجعا فهذا يعني ان الجدية في الاصلاح الاقتصادي متدنية، إضافة إلى التراجع في مؤشر جودة التعليم من الترتيب 81 الى 104 عالميا، وهو ما صاحبه مؤشر كفاءة سوق العمل الذي يعاني اختلالات ضخمة، حيث تراجع 39 مركزا في الترتيب.

ولعل جانبا مهما من الازمة السياسية التي تعيشها الكويت منذ سنوات يرجع الى عدم وجود مشروع تنموي يجمع عليه المجتمع وينشغل به بشكل حقيقي، اذ انه من الطبيعي عندما تخلو الدولة او تفشل في مشروعها أن يتجه الناس الى الخلافات غير المفيدة والتراشق السياسي، في حين ان ثمة دولاً قريبة لديها مشروعها الناجح، ولو نسبيا، فمثلا السعودية تعتبر عاصمة لمشاريع الطاقة والبتروكيماويات، كما أن دبي، رغم تعثرها، جذبت أموالاً كثيرة في مجالي العقار واعادة التصدير، وكذلك قطر في مشاريع الغاز والإعمار، وظلت البحرين حتى عهد قريب عاصمة المؤسسات المالية في المنطقة، ولدى عُمان فرص استثمارية في مجالي الصناعة والزراعة، اما الكويت فمازالت، منذ سنوات، تتحدث عن التحول الى مركز تجاري ومالي، ثم حديث عن خطة دون نتيجة عملية، وما تراجع مؤشراتها إلا نتيجة لسوء تنفيذ هذه المشاريع.

الإمكانيات أكبر

البيانات التي تتعلق بخطة التنمية لا يمكن ان تعبر عن الامكانيات الحقيقية لبلد نفطي يحقق الفوائض المالية المتتالية منذ اكثر من 10 سنوات، وهذه البيانات لا يمكن أن تبني اقتصاداً حقيقياً تتوافر فيه الفرص المغرية للمستثمر الأجنبي أو حتى المحلي، فبيئة الاستثمار السليمة تتطلب طرحاً للفرص الاستثمارية الجيدة والقوانين التي تحمي المستثمر والدولة.

 وليس سراً القول إن لدينا إمكانات عالية لتحقيق خطة تنمية حقيقية تحقق سنويا نموا في مؤشراتها التنافسية لنتفوق على الاقل على الدول المحيطة بنا، الا ان هذا يتطلب نموذج ادارة سليماً، وهو للاسف غير متوفر حاليا.