قبل أكثر من سنة أثناء سباق الرئاسة كتبت مقالة عن مصر عنوانها "تمام يا فندم" بطلها شاب كان جالساً في آخر القهوة إلى الآن أذكر ما قاله، إليكم بعضها «مصر دي بتعاتنا مش حنخليها لوحديها حنرجعها جنة… وحنركع كل طاغوت، ومش حنسمح لفرعون ثاني يعيش ويتحكم فينا، واللي يفكر حنجيب مناخيره الأرض… ومهما كانت النتايج مرسي وإلا شفيق مش حتفرق إحنا عرفنا الميدان وعرفنا إزاي نجيلوه… وعرفنا نجمع بعضينا… وعرفنا مين عدونا ومين صديقنا… وحقنا مش حنسيبه ولو بعد مليون سنة».

Ad

فعلاً اليوم تأكد لي أن الشعب المصري حي لم يسمح لأحد بخطف ثمار ثورته، فبعد أن تيقن من فشل سياسات الحزب الحاكم أظهر قوته في حشود مليونية غير مسبوقة وبصناعة مصرية.

هذه الثورة المباركة يحاول البعض ربطها بالدين، وأن من قام بها خارج الملة ومن الفلول، وكأن الشعب المصري كافر لا سمح الله، متناسياً أن الثورة التي أطاحت بنظام حسني مبارك كانت من كل أطياف الشعب، لذا فإن ربطها بهذه الطريقة يعد من السذاجة واستخفاف العقول.

المصريون يدركون قبل غيرهم خطورة الاقتتال الطائفي ومحاولات سحبهم لها، وهم يعون هذا النهج، فالتجارب الملعونة التي أدخلت كثيراً من دول العالم الإسلامية والتي بدأت في أفغانستان ولبنان والعراق مروراً بليبيا وسورية وتونس واليمن والبحرين كفيلة بفهم المخطط الشيطاني الذي يرى في مصر لقمة سائغة لتحقيق هذا الهدف لكن هيهات.

ما حدث في مصر هو صراع المستقبل الذي لم يفهمه الرئيس الحالي، فكل خطاباته كانت تبريرية تُحمِّل الحكم الماضي وبقايا الفلول تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلد، وأن التحديات أكبر من حلها خلال سنة واحدة، خصوصاً أن التركة ثقيلة ومتخمة، وفي هذه النقطة أتفق مع سيادة الرئيس مرسي، لكن ما قدم خلال هذه المدة لا يشفع له بالبقاء في منصبه، فالثورة لم تقم لتغيير حاكم ولكن للنهوض بحال البلد.

الأمر الآخر الذي يحاول أنصار الرئيس تصويره للناس هو أن فلول النظام السابق وراء هذا التصعيد الذي لا يحاكي الواقع، فالمظاهرات الحاشدة التي خرجت في كل أنحاء مصر لا يمكن تصويرها بهذه السطحية، فلو كان نظام الفلول قادراً على جمع هذه الأعداد التي تجاوزت الملايين لما استطاع أحد إسقاطه.

متطلبات المرحلة القادمة لا تقتصر على تنحي الرئيس عبر إجراء انتخابات مبكرة، فإن كان هذا هو الهدف فهو ضيق الأفق، ولكن لا بد من وجود رؤية وخطة وطنية تتفق عليها كل الأطراف تخرج البلد من حالة الركود والاحتقان، ومن تردٍّ للخدمات والأوضاع المعيشية التي يعيشها المواطن البسيط.

الحقيقة الأخرى التي على الرئيس القادم فهمها أنه جاء لكل المصريين وليس لفئة دون غيرها، وأن يستطيع جمع المصريين حوله يصارحهم ولا يخدعهم، يشاركهم في الحلم ويعيش معهم الواقع، ويرفع عنهم معاناة السنين العجاف.  

أخيراً أتمنى لمصر الغالية على قلوبنا كل الخير، وألا يمر عليهم رمضان إلا وحالهم أفضل مما كانت، وأن يعود هذا الشعب العظيم إلى ما عهدناه عليه، إنه سميع مجيب الدعاء.

ودمتم سالمين.