في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي من منصبه وسط انتفاضة شعبية غير مسبوقة، كثرت الدعوات التي طالبت واشنطن بالحد من مساعداتها إلى حليفها الأساسي هذا في الشرق الأوسط أو حتى تعليقها. لكن خطوة مماثلة تفتقر إلى بعد النظر وتعكس عدم الثقة بمصر ككل، لا بالحكومة الانتقالية فحسب.

Ad

ألهانا الجدال الدائر حول كيفية تصنيف الحوادث الأخيرة عن مهمة بالغة الأهمية: تطوير استراتيجية لدعم عودة الاستقرار الاقتصادي والسياسي إلى مصر. يجب أن تركّز دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إعادة تقييم المساعدات الأميركية في المقام الأول على كيفية مساعدة مصر، لا على ما إذا كان علينا مساعدتها.

يختلف الوضع اليوم عما كان عليه قبل سنتين. ففي عام 2011، استبدل الجيش المصري- بدعوات من معارضة تألفت في جزء كبير منها من الشبان، الرئيس المصري حسني مبارك ومعاونه القديم الأمين- المشير محمد حسين طنطاوي. أما اليوم، فتحرّك الجيش بعد أن نزل نحو ربع الشعب المصري من كل الأعمار والفئات السياسية إلى الشارع للمطالبة بالتغيير السياسي.

سيرسم المصريون في النهاية مصيرهم بيدهم. ولكن لا يمكننا أن ننكر أن المساعدة والنصح الخارجيين مهمان اليوم. ومع أن الولايات المتحدة لم تعد القائد الوحيد في عالم ما بعد الحرب الباردة، تبقى الدولة الوحيدة القادرة على حشد القوى الدولية لمعالجة هذه المسائل الملحة (علماً أن الرأي العام المصري منقسم بشكل حاد في نظرته إلى الولايات المتحدة).

هدف الـ1.3 مليار دولار التي يتلقاها الجيش المصري سنوياً من الولايات المتحدة الحفاظ على معاهدة السلام التي وقعها هذا البلد مع إسرائيل عام 1979، معاهدة تُعتبر أساس الأمن في المنطقة. لكن هذه المساعدة ساهمت عن غير عمد في صون مكانة الجيش المميزة، فنعم بفوائد لا دخل لها بالحفاظ على السلام مع الدول المجاورة. نتيجة لذلك، لا تنبع التحديات الكبرى التي يواجهها الجيش المصري اليوم من المخاطر الخارجية، بل من الانهيار الداخلي لحكم القانون والنظام. فلو نعم المواطنون المصريون بالأمن الشخصي (شعروا أن بإمكانهم التنقل في الشوارع بأمان)، لتبدلت حالهم تماماً. فكانوا سينكبون على أشغالهم وتزدهر السياحة ويطمئن المستثمرون الأجانب. لذلك من مصلحة الجيش اليوم أن يضمن تولي سلك شرطة كفء، ومدرّب، ومحترف مهمة حفظ الأمن في الشوارع، بدلا من أن تضطلع القوات العسكرية بمهمة مماثلة. ولا شك في أن هذا سيتطلب تبدّلاً في طريقة التفكير، فضلاً عن إدخال تعديلات مهمة إلى عملية توزيع الموارد. وتستطيع واشنطن أن تحضّ مصر على خطوات مماثلة.

لا شك في أن الوقت اليوم غير مناسب لوقف الدعم الأميركي. صحيح أننا لم نعدّ مصدر المساعدات الأكبر بالنسبة إلى مصر (قدّمت لها دول الخليج دعماً مالياً أكبر منذ عام 2011، وتعِد بمدها بمزيد من المليارات قريباً)، إلا أن مساهمتنا لا تزال مهمة. وعلى الإدارة أن تستغل نفوذها هذا لتشجّع الحكومة المؤقتة والجيش على تبني خارطة طريق شفافة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي، فضلاً عن عودة سريعة لحكومة منتخبة ديمقراطياً. إذن، تستطيع واشنطن باستغلالها المساعدات بذكاء أن تعزز الشفافية، وحكم القانون، واحترام الحقوق الفردية (والأهم بينها حقوق المرأة)، وبنية سياسية تنافسية.

على الصعيد الاقتصادي، ينبغي للولايات المتحدة أن تتشاور مع الحكومة المؤقتة وغيرها من المجموعات التجارية والمدنية في مصر بهدف تحديد الدور الأفضل الذي يستطيع المجتمع الدولي الاضطلاع به. كذلك علينا أن نشجّع مصر على أن تستأنف بسرعة محادثاتها مع صندوق النقد الدولي، حيث تتمتع الولايات المتحدة بتأثير بارز.

لو كنا في عالم مثالي لاضطرت مصر إلى انتخاب حكومة ديمقراطياً كي تصدق على برنامج صندوق النقد الدولي. لكن الواقع يُظهر أن مصر تخسر الكثير من احتياطيها من النقد الأجنبي كي تموّل برامج دعم غير ملائمة لا تسدّ حاجة المعوزين حقاً. كذلك تقيّد العقبات البنيوية وعدم فاعلية سوق العمل والفساد قدرة مصر التنافسية. ولا شك في أن الانضباط والإشراف اللذين يرافقان برنامج صندوق النقد الدولي سيمهدان الطريق أمام المزيد من الأموال الدولية ويعززان ثقة المستثمرين الأجانب المحتملين. وباتخاذ تدابير سياسية حازمة اليوم، خصوصاً مع العامل المخفف للصدمات الذي تؤمنه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، تستطيع الحكومة الانتقالية أن تقدّم لخلفها بنية أفضل تعزز فيها نمو الاقتصاد وتولّد الوظائف التي تبدو مصر بأمس الحاجة إليها.

تبقى مصر الدولة الأكثر أهمية في العالم العربي بسبب تاريخها وسكانها واقتصادها ومثالها. ولا شك في أن مساعدتها في تحقيق أهدافها في هذه المرحلة المفصلية الحرجة يخدم مصالح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على حدّ سواء. كذلك تتمتع الولايات المتحدة بموقف مميز (نظراً إلى نفوذها الدولي وعلاقتها المتينة بمصر) يتيح لها جمع الأطراف المناسبة والحض على العمل. وعليها ألا تتجاهل هذه المسؤولية الفريدة.

من الضروري اتخاذ الخطوات الضرورية في أسرع وقت ممكن، وخصوصاً أن الأزمة الراهنة تقدّم فرصة ضيقة ومحدودة. فقد جمع الائتلاف المناهض لمرسي فصائل متنوعة ومتنافسة قد يكون اتحادها مؤقتاً. وإذا أردنا تعزيز فرص الأصوات التقدمية في مصر كي تتمكن من قيادة البلاد نحو مستقبل مزدهر، فعلى الولايات المتحدة أن تعزز الآن التزامها تجاه هذه الأمة.

Brent Scowcroft و Eric D.K. Melby

* سكوكروفت مستشار سابق للأمن القومي في عهد الرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الأب. ميلبي، مختص بالقضايا الاقتصادية خلال عمله في مجلس الأمن القومي.