اتهمني بعض الزملاء بالقسوة على السينما المصرية عندما وصفتها بالفشل، طوال الأعوام الثلاثة الماضية، في تقديم أفلام تعبر عما جرى في 25 يناير عام 2011، وتأكيدي أنها ستواصل الفشل مجدداً إذا ما فكرت في التواصل مع ما استجد في الأيام القليلة الماضية، وأقدمت على إنتاج أفلام عن الموجة الثانية للثورة التي اندلعت في مصر في الثلاثين من يونيو الماضي!

Ad

لم أكن مبالغاً أو متجنياً في وجهة نظري؛ بل اعتمدت في رؤيتي على طريقة تعامل السينما المصرية مع الأحداث الجسام في تاريخ الوطن؛ مثل ثورة 23 يوليو 1952، وحرب أكتوبر 1973، وثورة 25 يناير 2011، التي سأتناول بالتفصيل ما فعلته بها السينما المصرية، عندما نظرت إليها بوصفها ظاهرة عابرة، ومن ثم تعاملت معها بشكل لا يختلف كثيراً عن أفلام {المخدرات} و{الراقصات}، وبدلاً من أن تواكبها {ركبتها}، وتاجرت بها!

تمخض الجبل فولد فأراً... وأوهمتنا السينما المصرية بأنها تقف قلباً وقالباً مع ثورة 25 يناير فألقت في وجوهنا بأفلام على شاكلة: {صرخة نملة} لعمرو عبد الجليل و{الفاجومي} لخالد الصاوي و{سامي أكسيد الكربون} لهاني رمزي و{تك تك بوم} لمحمد سعد!

{صرخة نملة} اعترف كاتبه طارق عبد الجليل ومخرجه سامح عبد العزيز بأنه لم يكن فيلماً عن الثورة؛ إذ بدأ تصويره قبل اندلاعها، ومع توقف التصوير بسبب الأحداث آنذاك جرى إدخال تعديل على السيناريو ليبدو وكأنه ولد من رحم الثورة، وكانت النتيجة أن وجد الجمهور نفسه أمام {مسخ سينمائي} عن مصري أفرج عنه من سجون العراق، ولما عاد إلى الوطن وجده مهترئاً ومأزوماً ومقهوراً، وفي حين كان عنوان {صرخة نملة} كافياً لأن يصنع منه فيلماً ثورياً بامتياز، من دون التمسح بثورة 25 يناير، أقحم نفسه في قضية لم تتضح تفاصيلها، وثورة لم يتم الكشف عن خباياها، ولم تنقذه اللقطات التسجيلية التي استعان بها بحيث تجعل منه فيلماً ثورياً عن نظام سقط وانهار!

الأمر نفسه تكرر، بحذافيره، مع فيلم {الفاجومي} الذي بدأ تصويره في نوفمبر من عام 2010، وكان يمكن أن يصبح أحد أهم أفلام السير الذاتية، بعد اعتماده على مذكرات الشاعر أحمد فؤاد نجم. لكن كاتبه ومخرجه عصام الشماع آثر أن {يركب الموجة}، حتى يُقال إنه قدم فيلماً هو {لسان حال ثورة يناير}، والادعاء بأن الفضل يعود إلى صاحب المذكرات في التنبؤ بها، وكانت النتيجة أن انحرف مسار {الفاجومي}، وغرق الفيلم في طوفان من تفاصيل أثقلت كاهله وأجهدت الجمهور الذي تابع أحداثه، ومن ثم رأينا على الشاشة {زير نساء} أكثر منه شاعراً، و{ثورة} أفضت إلى {تظاهرة}!

"سامي أكسيد الكربون} عنوان الفيلم الذي كتبه سامح سر الختم ومحمد نبوي وعلاء حسن وأخرجه أكرم فريد، وأسهم بغير وعي في التغرير بالجمهور، والتلاعب بمشاعره، عندما أهان الثورة بصورة لم تجرؤ عليها أعتى القوى الرجعية وأكثرها تعاطفاً مع {الثورة المضادة}، من خلال التلاعب بالشعارات الثورية وتسطيحها، فضلاً عن الإيحاءات الجنسية التي لم يخل مشهد منها، والسخرية من الفعل الثوري، والأخطر تصوير الثوار وكأنهم مجموعة من الشباب التافه والساذج والجاهل الذي يتاجر بهموم الوطن، ويشيع الفوضى، وتحركه مؤامرة ليس أكثر!

رؤية كارثية أخرى لخصت حجم الوعي الغائب عكست نفسها من خلال أحداث فيلم {تك تك بوم}، الذي صاغ له السيناريو والحوار محمد سعد، في أول تجربة له، وأخرجه أشرف فايق؛ فالفيلم الذي اعتمد على فكرة طريفة كتبتها منتجته الممثلة إسعاد يونس، عن شاب وفتاة حددا موعد زواجهما، بعد صراع طويل مع الظروف الصعبة، وفي ليلة الزفاف اندلعت الثورة، افتقد الرؤية الرصينة نتيجة عدم إلمام محمد سعد بتقنية الكتابة، وتأثره بالميلودراما الهندية، كذلك اتسم بتراجع الوعي السياسي لدرجة أنه لم يُفرق بين الثائر والبلطجي، وتورط في تسفيه الشعارات الثورية، وتاجر بالوحدة الوطنية ووقع في فخ الخطابة والمباشرة وتبني رسالة أخلاقية لا تخلو من سذاجة!

بكثير من السذاجة والسطحية والتفاهة تعاملت السينما المصرية مع ثورة 25 يناير، ما يدعونا إلى الخوف ووضع أيدينا على قلوبنا خشية أن تتعامل بالمنطق المراوغ نفسه الذي يغلب عليه النهم المادي والجشع التجاري، مع الموجة الثانية للثورة المصرية، فهل تخيب السينما المصرية ظنوننا وتتعامل مع الأمر بوعي وجدية؟