سياسة أميركا تجاه مصر: دعم السيسي
هل تهدف الحكومة الأميركية في الشأن المصري إلى تبني موقف ما فحسب أم أنها ترغب أيضاً في اعتماد سياسة محددة؟يشمل موقفها "التنديد بالعنف" وتأجيل التدريبات العسكرية، كما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما من جزيرة مارثاز فينيارد قبل أيام. ويؤكد هذا الموقف للجيش المصري، كما فعل السيناتور ليندسي غراهام، أنه "يدفع بمصر نحو الهاوية، وأن على الولايات المتحدة ألا تسير معها على هذا الدرب"، ويدعو هذا الموقف أيضاً إلى تعليق المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، كما طالب الجميع، من راند بول إلى باتريك ليهي. لا شك أن هذا موقف جيد، فهو ينطوي على شيء من الغرور الذي يضبطه العقل والمنطق، لكن المواقف لا تحمل جواباً عن السؤال: كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مصر، بعد التنديد وقطع المساعدات؟ عندما تقرر مصر شراء طائرات سو-35 من روسيا (بتمويل من المملكة العربية السعودية) وتقدّم نفسها كعميل آخر من عملاء فلاديمير بوتين، لأن إدارة أوباما علّقت تسليم طائرات إف-16، هل يلوح غراهام بإصبعه مرة أخرى في وجه موسكو؟
قد يقدِم غراهام على خطوة مماثلة، وسرعان ما نفقد ما تبقى لنا من نفوذ في مصر، لكننا سنحافظ على الأقل على أيدينا نظيفة.أو يمكننا أن نعتمد سياسة، مع أن هذه الخطوة صعبة دوماً. تتألف السياسة من مجموعة من الخيارات العملية التي تُنتقى من بين بدائل سيئة في معظمها، وتهدف إلى تحقيق النتيجة المنطقية المرغوب فيها، ولكن ما المنطقي والمرغوب فيه؟قد يكون إطلاق سراح الرئيس المخلوع محمد مرسي وقادة "الإخوان المسلمين" المحتجزين منطقياً، إلا أنه يشكل خطوة غير مرغوب فيها، إلا إذا كنت تعتقد أن ألكسندر كيرينسكي أصاب بإطلاقه سراح البلاشفة المعتقلين بعد انتفاضتهم الفاشلة في يوليو عام 1917.أما العودة إلى النظام المستبد الذي كانت حكومة مرسي المنتخب تبنيه، فليست بالتأكيد خطوة منطقية أو مرغوباً فيها، خصوصاً إن رجع القرار في ذلك إلى ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشارع في شهرَي يونيو ويوليو للمطالبة بالإطاحة بمرسي.كذلك يُعتبر ضم "الإخوان المسلمين" في حكومة ائتلافية يقبلون فيها بدور سياسي محدود، مقابل أن يلغوا إضراباتهم وتظاهراتهم، خطوةً مرغوباً فيها، لكنها تفتقر إلى المنطق وتشبه إرغام ابن عرس على التعاون مع أفعى لتحقيق مصلحة فأرة. ما يُعتبر منطقياً ومرغوباً فيه نجاح الجيش في مواجهاته مع "الإخوان المسلمين" بطريقة مقنعة وسريعة قدر الإمكان، فيعزز النصر رحابة الصدر، ويتيح للمواطنين المصريين فرصة العودة إلى حياتهم الطبيعية، كذلك يردع أي تحديات سياسية أو عسكرية محتملة، ويسمح للحكومة المصرية المعينة بالاضطلاع بدور سياسي بارز، ويفرض الاستقرار في المشهد الدبلوماسي، ويبعد أي تشويش عن نظرة الدول المجاورة إلى مصر. علاوة على ذلك، يلغي هذا النجاح البدائل الأخرى. البديل الأول: مواصلة التراجع إلى حرب أهلية شاملة تشبه ما عانته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. والبديل الثاني: انتصار "الإخوان المسلمين" الذين يسعون للانتقام، ما يتيح لهم ردّ الصاع صاعين لأعدائهم السياسيين نتيجة الإساءة التي لحقت بهم، ولن يكون هدفهم الوحيد القائد العسكري الأعلى، عبدالفتاح السيسي، ومساعديه، بل سيستهدفون أيضاً كل محرر، ومشرّع، وقائد ديني، ورجل أعمال، وشرطي برهن أنه عدو لهذه الجماعة.أود أن أوجه سؤالاً إلى غراهام، ليهي، وبول: كيف يمكن الترويج للمصالح الأميركية، والمصرية، والإقليمية، والإنسانية في كل من هذه السيناريوهات؟ قبل أيام، مرّ السيناتور بول بمكتب الصحيفة في نيويورك، وشدد على معارضته أي سياسة في سورية تتعارض مع مصالح المسيحيين في ذلك البلد. ولكن ماذا سيحل، في رأيه، بأقباط مصر الذين أعربوا علانية عن دعمهم للسيسي، في حال انتصر "الإخوان المسلمون"؟يردد كثيرون حجة أن القمع العنيف الذي يمارسه الجيش يقوي "الإخوان المسلمين". قد يكون ذلك صحيحاً، ومن الممكن أيضاً أن تؤدي سياسة ضبط النفس إلى زيادة جرأة "الإخوان المسلمين". اعتبر الجيش المصري أن الطرح الثاني أكثر احتمالاً، وقد يكون هذا الطرح خاطئاً، إلا أنه يستند على الأقل إلى فهم أعمق لطريقة التفكير المصرية، مقارنة بالعبارات الغربية المستهلكة عن أن العنف يولد دوماً العنف.علاوة على ذلك، يظن البعض أن بإمكاننا قطع مساعداتنا العسكرية، التي تبلغ 1.3 مليار دولار، بما أنها لم تجعل الفريق أول السيسي يستمع إلى نصيحتنا، ولكن لمَ نتوقع منه أن يصغي إلى نصيحة سيئة؟ باتت السياسة في مصر اليوم لعبة فيها الخاسر والرابح: فإما يفوز الجيش وإما "الإخوان المسلمون"، وإذا أرادت الولايات المتحدة تعزيز نفوذها، فعليها أن تحسم أمرها وتقف إلى جانب أحد الطرفين.في الوضع الراهن، لا يُعتبر مَن يظنون أن أوباما مسلم في السر مجموعة من النساء تنتمي إلى حركة "حفلات الشاي" الأميركية. إنهم علمانيون مصريون، وكي يقنعهم الرئيس بخلاف ذلك، فإن عليه اتخاذ خطوات لمساعدة الحكومة التي يعتبرها العلمانيون بحق أداة خلاصهم. قد لا يحتاج الفريق أول السيسي إلى طائرات إف-16 جديدة، بل إلى معدات لمكافحة الشغب، وغاز مسيل للدموع، ورصاص مطاطي، وذلك بغية تفادي إراقة الدماء التي شهدها العالم الأسبوع الماضي.من الجيد العيش في عالم يمكننا فيه تطبيق سياسة خارجية تهدف إلى تحقيق أحلامنا: السلام في الشرق الأوسط، وعالم خالٍ من الأسلحة النووية، وعالم عربي ينعم بديمقراطية ليبرالية، ولكن من الأفضل اعتماد سياسة خارجية تبعد عنا الكوابيس: وقف برنامج إيران النووي، والحؤول دون سقوط أسلحة سورية الكيماوية بين أيدي الإرهابيين، وإبعاد "الإخوان المسلمين" عن السلطة في مصر... لكن ذلك يتطلب إدارة أميركية تدرك الفارق بين الموقف والسياسة.* بريت ستيفنز | Bret Stephens