كثرت التقارير عن اعتداء كبير بالأسلحة الكيماوية في ضواحي دمشق يدّعي الناشطون في مجال حقوق الإنسان أنه أودى بحياة مئات المدنيين، ما أعاد الحرب الأهلية السورية المتواصلة إلى قمة أجندة السياسة الخارجية للبيت الأبيض، حتى مع اشتداد الأزمة المصرية سوءاً.

Ad

ولكن على إدارة أوباما أن تقاوم الرغبة في التدخل أكثر في الحرب الأهلية السورية، فلا يُعتبر انتصار أي من الطرفين مؤاتياً للولايات المتحدة، ونتيجة لذلك، تكون حالة الجمود المطولة الحل الوحيد الذي لن يُلحق الأذى بمصالح الولايات المتحدة في هذه المرحلة.

سنواجه مأساة كبرى إذا حقق نظام الرئيس بشار الأسد النصر، بعد أن يتمكن من قمع الثورة كاملاً ويعيد بسط سيطرته على كل أجزاء سورية، إذ يشكل مال إيران وأسلحتها وعملاؤها ومقاتلو "حزب الله” اليوم عوامل أساسية في هذا القتال الدائر، ومن المؤكد أن انتصار الأسد سيرسخ القوة والمكانة اللتين تنعم بهما الدولة الإيرانية الشيعية و”حزب الله” التابع لها في لبنان، ما يشكل خطراً مباشراً يهدد الدول العربية السنية وإسرائيل على حد سواء.

لكن انتصار الثوار لن يكون أقل خطورة بالنسبة إلى الولايات المتحدة والكثير من حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى أن المجموعات المتطرفة، التي ينتمي بعضها إلى تنظيم "القاعدة”، صارت اليوم الأكثر فاعلية بين القوى المحاربة في سورية، وإن تمكنت مجموعات الثوار هذه من الفوز، فستحاول بالتأكيد تأليف حكومة معادية للولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك، لا يمكن أن تتوقع إسرائيل عودة حدودها الشمالية إلى الهدوء، في حال حقق المجاهدون النصر في سورية.

كانت الأوضاع أقل سوداوية، عندما انطلقت الثورة السورية قبل سنتين، ففي تلك المرحلة، ظننا أن المجتمع السوري بأكمله تفلت من قبضة الخوف ليُطالب بوضع حد لحكم الأسد المستبد، وبدا من المنطقي أن نأمل في تلك الفترة أن يحل المعتدلون محل نظام الأسد لأنهم يشكلون شريحة كبيرة من الشعب، كذلك بدا منطقيا أن نتوقع ألا يدوم القتال طويلا، لأن تركيا المجاورة (دولة أكبر بكثير تملك جيشا قويا وحدودا طويلة مع سورية) ستمارس نفوذها لتنهي هذه الحرب.

عندما بدأت أعمال العنف في سورية نحو منتصف عام 2011، طالب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، بإصرار بوضع حد لها، ولكن بدل أن يخاف الأسد ويستسلم، سخر المتحدث باسمه علانية من أردوغان، فيما أسقطت قوات الأسد المسلحة طائرة حربية تركية. كذلك عمد جيش الأسد مراراً إلى إطلاق القذائف على المناطق التركية، وزرع السيارات المفخخة المميتة عند المعابر الحدودية بين تركيا وسورية، وتعجب الجميع من أن تركيا لم تقدِم على رد يُذكر. يعود ذلك إلى أن تركيا تملك مجموعة كبيرة من الأقليات الشديدة الاضطراب التي لا تثق بحكومتها، علماً أن هذه الأخيرة لا تثق هي أيضاً بجيشها، ونتيجة لذلك، عانت تركيا الشلل، بدل أن تستغل قوتها بفاعلية في الحرب السورية، ما حول أردوغان إلى مجرد مراقب عاجز يتأمل تطورات الحرب الأهلية في الجانب الآخر من الحدود.

نتيجة لذلك، لم يقاتل في سورية ثوار مقرهم في تركيا ويتلقون التوجيه منها، ثوار تستطيع الولايات المتحدة مدهم بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والنصيحة، بل عمت المدن السورية حالة من العنف والفوضى.

يخوض هذه الحربَ اليوم أسيادُ حرب بائسون ومتطرفون خطرون من كل نوع ولون: سلفيون متشددون يشبهون "طالبان” يضربون ويقتلون حتى السنّة الملتزمين لأنهم لا يتبعون طرقهم الغريبة، ومتطرفون سنّة يقتلون المسيحيين والعلويين الأبرياء لأنهم لا ينتمون إلى دينهم، ومجاهدون من العراق ودول أخرى حول العالم يعبرون صراحة عن رغبتهم في تحويل سورية إلى قاعدة للجهاد العالمي تستهدف أوروبا والولايات المتحدة.

نظراً إلى هذه الأوضاع المؤسفة، لن يكون انتصار أحد الطرفين ملائماً للولايات المتحدة، فلا شك في أن عودة نظام الأسد إلى سابق عهده بدعم إيراني سيعزز نفوذ الجمهورية الإسلامية ومكانتها في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة، في حين أن فوز الثوار الذين يسيطر عليهم المتطرفون سيطلق موجة جديدة من إرهاب تنظيم "القاعدة».

إذن، تكون النتيجة الوحيدة التي تفضلها الولايات المتحدة على الأرجح: استمرار الوضع على حاله إلى أجل غير مسمى.

مع انشغال جيش الأسد وحلفائه الإيرانيين و”حزب الله” بحرب ضد مقاتلين متطرفين ينتمون إلى "القاعدة”، يكون أربعة من أعداء واشنطن منهمكين في محاربة بعضهم بعضاً، ما ينسيهم مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها.

من المؤسف، أو بالأحرى من المؤلم، أن يكون هذا الخيار الأفضل، ولكن إذا أيدناه، لا نفرض بذلك معاناة إضافية على الشعب السوري، لأن الأغلبية العظمى منهم تواجه المعضلة ذاتها.

لا يتوقع السوريون من غير السنّة إلا العزلة الاجتماعية أو حتى المجازر في حال فاز الثوار، في حين أن الأغلبية السنّية غير المتعصبة ستواجه قمعاً سياسياً متجدداً في حال انتصر الأسد، وإن فاز الثوار، فسيُهمش السنّة المعتدلون سياسياً خلال عهد الحكام المتشددين، الذين سيفرضون قيوداً مبالغاً فيها.

إذن، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة الحفاظ على حالة الجمود الراهنة، والوسيلة الوحيدة الممكنة لتحقيق ذلك تسليح الثوار عندما يبدو أن قوات الأسد تحقق التقدم وقطع الإمدادات عنهم حين نلاحظ أنهم بدؤوا يفوزون.

تماثل هذه الاستراتيجية السياسة التي اعتمدتها إدارة أوباما حتى اليوم، وعلى مَن يدينون تريث الرئيس الحذر ويعتبرونه سلبية مثيرة للسخرية أن يتحدثوا بصراحة عن البديل الوحيد المتوافر: غزو أميركي شامل لإنزال الهزيمة بالأسد والمتطرفين الذين يحاربون النظام على حد سواء.

قد يؤدي ذلك إلى خضوع سورية للاحتلال الأميركي، ولا شك أن أميركيين قلائل يدعمون اليوم مغامرة عسكرية مكلفة أخرى في الشرق الأوسط.

إذن، ستواجه الولايات المتحدة الخطر إذا أقدمت على أي خطوة حاسمة؛ لذلك تُعتبر حالة الجمود الخيار السياسي الوحيد المتبقي في هذه المرحلة.

Edward Luttwak