الحلم النجدي
تقول إحدى الحكايات الشعبية، التي وردت في كتاب أساطير شعبية لشبه الجزيرة العربية، والتي جمعها الشيخ عبدالكريم الجهيمان -رحمه الله- إن فلاحاً من قرية في نجد جاءه رجلٌ في الحلم، وقال له إن هناك كنزاً مدفوناً في العراق تحت القبة في المسجد الأزرق ببغداد، وقد تجاهل الفلاح حلمه في اليوم الأول، لكن الصوت عاد في اليوم الثاني فتجاهله أيضاً، ثم جاءه في اليوم الثالث، ومن سمة الحكايات أن يتكرر فيها الأمر ثلاثاً أو سبعاً، وفي المرة الثالثة قرر الرجل أن يصدق هذا الصوت ويتبعه، وبالفعل ذهب الفلاح إلى بغداد ووجد المسجد الموصوف، فجلس يصلي فيه في النهار، وينام فيه في الليل، ويتصدق عليه بعض المصلين بالطعام.
ينتهز الفلاح وجوده وحيداً في الليل فيحفر تحت القبة بحثاً عن الكنز المزعوم ثلاث ليال فلا يجد شيئاً، وحين يئس، وعرف أنه تبع سراباً كاذباً تلاشى حال وصوله إليه جلس في يومه الأخير يتجاذب أطراف الحديث مع إمام المسجد، الذي سأله بعد مرور ثلاثة أيام على سر وجوده في المسجد: "ما حكايتك؟". هنا قص الفلاح قصته الفاشلة وحلمه الكاذب، فضحك الإمام وقال: "إنها مجرد أضغاث أحلام لا تصدق، أنا مثلاً جاءني رجلٌ في الحلم، وقال لي أن أذهب إلى قرية في نجد اسمها كذا، وفي حظيرة بيت فلاح اسمه كذا، وأن أحفر تحت مربط حماره، وسوف أجد كنزاً عظيماً هناك. ثم ضحك إمام المسجد لكن الرجل الفلاح لم يضحك بل شلته المفاجأة والدهشة، فالقرية التي ذكرها هذا الرجل هي قريته واسم الفلاح هو اسمه، فأسرع بالعودة إلى قريته ثم منزله، ثم حفر تحت مربط حماره ليجد كنزاً، فتحولت حياته بعده وأغناه الله طول العمر.هذه الحكاية القديمة جداً ليست إلا حكاية جوهرية في معنى الحياة العجيب والجميل، وهي لا ترمز إلى الأحلام التي تملأ نومنا بل الأحلام التي تملأ وعينا ونهارنا، ونتوق من أجلها إلى أن نعرف أكثر ونجرب أكثر، فالمعرفة هي جوهر الحياة، وقد كان لزاماً على هذا الفلاح أن يخرج من بيته ومن قريته ويسافر بعيداً ليعثر على كنز كان تحت قدميه وفي منزله، والقصة هنا رمزية، فقد يكون الرجل قد أدرك الجواهر والكنوز من خلال رحلته بمعرفة الطريق والناس والاستماع إلى حكاياتهم. تصوروا أن هذه الحكاية العربية كانت هي كنز باولوا كويلو أيضاً الذي جعلت منه أشهر كاتب عالمي حين تبع حلمه، فقد أخذ هذه الحكاية وكتبها رواية باسم "ساحر الصحراء"، واعترف في مقدمة روايته بأنها حكاية عربية، وأنه أخذها من التراث العربي، وهذه الرواية وضعته في مصاف أشهر الروائيين العالميين وأغناهم، الحلم وغوايته والأشواق التي يبعثها في الروح هي حكاية إنسانية عند كل البشر، لهذا نجحت الحكاية وظلت حية طويلاً في التراث والأدب، وعند كل منا حلم لا يأتيه وهو نائم بل وهو يقظ، يناديه كي يذهب بعيداً ليعرف أين يقع كنزه الداخلي؟ لهذا لا تترددوا في أن تتبعوا أحلامكم وتعرفوا جوهرها.